تجهيز البنت
إن من ضمن الخرافات التي شاعت في زماننا هذا ، هي خرافة تجهيز البنت بالوسائل المنزلية ، وهو خلاف ما جاء في الشرع المقدس، كونها من المسائل الكمالية والخرافية ، وكونها في أغلب الأحيان أحد موانع الزواج. فالبنت التي بلغت سن الثلاثين ، ولا تستطيع قبول من تقدم إليها، تمتنع عن الزواج بسبب عدم إمكانية ولي أمرها من تجهيزها بالوسائل المنزلية وترفض الخُطاب الواحد تلو الاخر ،كونها لا تستطيع الذهاب الى بيت الزوجية من دون ان تأخذ ما يجود به عليها والديها من وسائل ولوازم منزلية قد تكون في بعض أحيانها قاصمة للظهر.
أجل لا بأس بأخذ البنت لبعض الحاجيات من منزل أبيها الى منزل زوجها ولكن لا بالشكل الذي نراه هذه الأيام ، هذا إذا استطاعت ذلك ، وإن لم تستطع وجب على الدولة الإسلامية لسبب من الأسباب تهيئة هذه الوسائل أو جميع افراد الشعب القيام بذلك ، وتوفير المستلزمات ،لأنها من ضروريات الحياة. بعد أن تم الإتفاق على تزويج الزهراء البتول فاطمة بنت محمد (ص) ، بعث الرسول (ص) برجلين وإمرأة لشراء بعض اللوازم للزهراء (ع) من السوق ‘ وقد اشتملت تللك اللوازم على "17" شيئاً و كان ثمنها 63 درهماً.
وكانت هذه الأشياء تشتمل على عباءة ولا أعني تلك العباءة التي نراها اليوم وكأنها لباس الشهرة ، ولا تلك التي هي من الحرير الناعم بل كانت عباءة سوداء تعلوها مقنعة. هذا بالإضافة إلى قميص ، أعطته الزهراء (ع) قبل ارتداءه الى احدى المستضعفات لتُبقى هي بقميصها القديم وتذهب به الى دار زوجها ، وعند ما سألها الرسول (ص) في اليوم التالي عما فعلت بذلك القميص ؟ أجابت بأنها أعطته في سبيل الله تباركت أسماؤه ، فقال : ولم أعطيت الجديد ولم تعط القديم ؟ قالت : ألم يقل الله تعالى في محكم كتابه :{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبونْ} آل عمران 92) وكان بساطها الذي تجلس عليه جلد خروف واحد ، وفراشها الذي تنام عليه بدل القطن ليف من عراجين النخل ،أما لوازم طعامها وشرابها فلا تعدو أن تكون بضعة أواني صينية ، وقلة خزفية واحدة وقدح من طين . وإجمالا كانت تللك هي الحاجات تبكي رسول الله(ص) شوقا حينما ينظر إليها. لذا أطلب راجيا من الجميع ، وبالخصوص السيدات أن يطلوا بنظراتهم على هكذا حاجيات.
وبعد ذلك قال صلوات الله عليه : اللهم بارك بهذه الحاجات التي يغلب عليها الطين. لقد كانت تلك اللوازم على قدر ضرورة حاجة الزهراء(ع) وهكذا ينبغي أن تكون لوازمكم على قدر ما تحتاجون ، لا على قدر ما تظهرون للآخرين ، فالتباهي والتفاخر بالوازم والحاجيات غير الضرورية وليس في مصلحتكم ، ولا بأس عليكم لو تنتهون من تلك الخرافات التي لا فائدة منها ولا نفع . إن بعض الأمهات تشعر كأنها تساق الى قبرها حينما تجد صندوق جواهر ابنتها غبر ممتلئ ليلة الزفاف ، وكذا أم العريس حينما ترى عدم إتيان العروس بلوازم كثيرة من دار أبيها ، بل يعلو صوتها إلى عنان السماء إذا لم تكن تلك اللوازم من الطراز الاول ، وقد يصل الأمر ببعضهن وبلا حياء الى إرجاع الوسائل والحاجيات التي جاءت بها البنت من دار أبيها ثانية ،
كي تبقى البنت أسيرة منزل أبيها بعدما كانت تلك الحاجيات سببا" في منعها من الزواج. على أية حال إن لي طلبا وهو ، أيها السيد وأيها الأب المتمكن إذا أردت أن تعطي لابنتك لوازم منزلية لن يمنعك أحدا من ذلك ، ولكن بعيدا عن التباهي والبذخ . إن ما نراه اليوم من إعطاء الأب لابنته العروس الأثاث الإيطالي أو .... غيره كونه ثريا لم يكن حينما شرع الزواج والنكاح ، ولكن الامر لا يعدو قيام أحد الحمقى الاثرياء بإهداء سجادات ثمينة او حاجيات منزلية متطورة الى ابنته العروس مما حدا بالآخرين الى التشبه به جهلا" ، والقيام بمثل ما قام ظنا منهم بأن ما فعله صاحبنا هو الصحيح ، لذا يتوجب عليهم أن يفعلوا مثل فعله. أيها الثري ! إذا أردت ان تعطي شيئا لابنتك لا تحاول أن تفهم الناس من خلاله بأنها عادة جارية، أو ضرورة يجب الالتزام بها.
لن يقول لك أحد شيئا حينما تسجل منزلك باسم ابنتك العروس ، ولكن لا ينبغي لك التشهير بذلك على أن المسألة ترتبط بشرع أو عرف يجب أن يلتزم به ، ولا تفعل ما يسهم في إحراج الفقير حينما يريد تزويج ابنته ، لأن هكذا أمور تعتبر مخالفة للشرع ، وأنها غير مباركة بالمرة. إن هذه الوسائل والحاجات التي تهديها لابنتك والتي تسبب الإحراج والضرر للآخرين لا خير فيها ولا بركة فيها . الأستاذ حسين مظاهري من كتاب الأخلاق البيتية