أصنافُ الـذُّنوبُ سبعة عشر نوعاً في كتاب الله تعالى
العلّامة الشّيخ محسن قراءتي للعلّامة الشيّخ محسن قراءتي أسلوبه المميّز في تفسير القرآن الكريم، وهو الذي مارس التّعليم في هذا المجال لعشرات السّنين، وكانت له إطلالات تلفزيونيّة في رحاب كتاب الله، عزّ وجلّ، ولطائف آياته، وله عدّة كتب منشورة أبرزها تفسير كامل للمصحف الشّريف باسم «تفسير نور» وهو مُترجم إلى اللّغة العربيّة. هذا المقال عبارة عن نصّ محاضرة للشّيخ تعكس أسلوبه الاستقصائيّ في عرض المفاهيم القرآنيّة.
الذّنب يعني المُخالفة، فكلّ عملٍ من الأعمال التي تُخالف الأوامر الإلهيّة يُعدّ في نظر الإسلام ذنباً، فحتّى لو كان الذّنب هيّناً فهو عظيمٌ وكبير، وذلك لمخالفة الأوامر الرّبّانيّة وعدم إطاعة الله سبحانه وتعالى. قال الرّسول الاكرم صلّى الله عليه وآله لأبي ذرّ: «لا تَنْظُرْ إلى صِغَرِ الخَطيئَة، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلى مَنْ عَصَيْتَهُ».
مُسَمّيات الذّنب في القرآن الكريم ذُكرت في القرآن الكريم وعلى لسان الرسول الأعظم، صلّى الله عليه وآله، وأهل بيته الطاهرين، عليهم السّلام، اصطلاحاتٌ كثيرة ومختلفة حول الذّنب، حيث يَكشف كلٌّ منها عن قسمٍ من آثاره السّيّئة، ويبّين الأنواع المختلفة له. والاصطلاحات التي وردت في القرآن الكريم عن الذّنب عبارة عن: (الذّنب، والمعصية، والإثم، والسَّيّئة، والجُرم، والحرام، والخطيئة، والفِسق، الفساد، والفجور، والمنكر، والفاحشة، والخَبط، والشّرّ، واللّمَم، والوِزر، والثقل، والحِنْث). وفي ما يلي تعريف بكلٍّ منها:
1- الذّنب: معناه التّابع، حيث إنّ كلّ عمل مخالف للشّريعة يتبعُه نوعٌ من الجزاء الدّنيويّ أو الأخرويّ، (وردت هذه الكلمة 35 مرّة في القرآن الكريم).
2- المعصية: معناها التّمرّد والخروج عن الأوامر الإلهيّة، وتُعبّر عن تعدّي الإنسان حدودَ العبوديّة، (وردت 33 مرّة في القرآن الكريم).
3- الإثم: معناه الخمول، والبُطء، والعجز، والحرمان من الأجر والثّواب. وهو دلالة على أنّ الآثمَ شخصٌ عاجز ومحروم، ولا ينبغي له أن يتوهّم بأنّه فَطِنٌ، (ذُكرت في القرآن الكريم 48 مرّة).
4- السّيّئة: معناها العمل القبيح والسّيّء الموجب للهمّ والذّلّة، وتقابلها «الحسَنة» التي تعني السّعادة والفلاح، (وردت في القرآن الكريم 165 مرّة). وكلمة السّوء مأخوذة من نفس المصطلح، (ذُكرت 44 مرّة في القرآن الكريم).
5- الجُرم: ويعني في الأصل انفصال الثّمرة عن الشّجرة، وكذلك تعني الانحطاط. والجريمة، والجرائم اشتُقّت من هذه المادّة نفسها، والتّلوّث بالجرم يُبعد الإنسان عن الحقيقة، والسّعادة، والتّكامل، والهدف. (وردت 61 مرّة في القرآن الكريم).
6- الحَرام: وتعني هذه الكلمة المَنع والحَظر. كـ «لباس الإحرام» الذي يرتديه الإنسان في الحجّ والعُمرة، فيُحرم عليه ممارسة عدّة من الأعمال، والشّهر الحرام هو الشّهر الذي يُحرم فيه القتال، والمسجد الحرام يعني المسجد الذي له قُدسيّة وحُرمة خاصّة، ويُحرَم على المُشركين الدّخولُ إليه، (وردت 75 مرّة في القرآن الكريم).
7- الخطيئة: وتعني الذّنب غير المُتعمّد غالباً. وقد تعني أحياناً الذّنب الكبير، كما أُشير إليها في آيتَين في القرآن الكريم: ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ البقرة:81، و﴿لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ﴾ الحاقّة:37. إنّ ارتكاب الخطيئة يقطع على الإنسان طريق النّجاة، ويمنع دخول الأنوار الإلهيّة إلى قلبه. هذا الاصطلاح في الأصل هو حالة تحصل للإنسان نتيجة اقترافه الذّنب، فتمنعه من بلوغ سبيل النّجاة، وتحجب نفوذ أنوار الهداية إلى قلبه. (وردت 22 مرّة في القرآن الكريم).
8- الفِسق: ويعني في الأصل خروجَ نوى التّمر عن قشوره، وهو كناية عن خروج المُذنب عن طريق الطّاعة والعبوديّة لله سبحانه وتعالى. أي إنّه بذنبه قد انتهك حرمة الأوامر الإلهيّة، وفي النّتيجة بقي هذا المُذنب عارياً وبدون حِصنٍ يحصنّه وحافظٍ يحفظُه. (ورد هذا الاصطلاح 53 مرّة في القرآن الكريم).
9- الفساد: ويعني الخروج عن حدّ الاعتدال، ونتيجتُه الضَّياع وتبذير القوى، (ذُكر 50 مرّة في القرآن الكريم).
10- الفجور: ومعناه تمزّق ستار الحياء والسُّمعة والدّين، وعاقبته الافتضاح، (ورد 6 مرّات في القرآن الكريم).
11- المُنكَر: وأصله من الإنكار بمعنى غير المعروف، وذلك لكون الذّنب غير مأنوس لدى الفطرة والعقل السّليم، بل يعدّانِه قبيحاً أجنبيّاً، (ورد 16 مرّة في القرآن الكريم)، وطُرح أكثر الأحيان بعنوان النّهي عن المنكر.
12- الفاحشة: هي الكلام والعمل القبيح الذي لا شكّ في قُبحه. وفي بعض الأحيان تُستعمل بمعنى العمل الشّديد القُبح، والعار، والتّضجُّر. (ورد 24 مرّة في القرآن الكريم).
13- الخَبط: ومعناه عدم التّعادل والتّوازن في القيام والقعود. وكأنّ المُذنب يتحرّك حركات غير موزونة ولا معقولة يتبعها خمول وانحطاط، كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ..﴾ البقرة:275.
14- الشّرّ: ومعناه كلّ شيء قبيح يرفضه النّاس. وعلى العكس منه اصطلاح الخير، بمعنى العمل المحبوب لدى النّاس، وكأنّ الذّنب هو على خلاف الفطرة والإحساس الدّاخليّ للبشر. وهذا الاصطلاح يُستعمل غالباً في مورد البلاء والنّوائب، ويستعمل أحياناً في مورد الذّنب، حيث ورد قوله تعالى في سورة (الزّلزلة) بمعنى الذّنب: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ الآية:8.
15- اللَّمَم: على وزن قلَم، بمعنى التّقرّب إلى الذّنب، وبمعنى الأشياء القليلة. ويُستعمل في الذّنوب الصّغيرة، (ورد مرّة واحدة في سورة النّجم:32).
16- الوِزر: ومعناه الثِّقل. يأتي، أكثرَ الأحيان، بمعنى تحمّل ذنوب الآخرين. فالوزير يُطلَق على من يتحمّل عبء الحكومة الثّقيل، والمُذنب غافلٌ عن أنّه سيحملُ على عاتقه حِملاً ثقيلاً، (ذُكر 26 مرّة في القرآن الكريم). وفي بعض الأحيان ورد اصطلاح «الثّقل» في القرآن الكريم في مورد الذّنب، كما دلّت عليه الآية 13 من سورة العنكبوت ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ..﴾.
17- الحِنث: على وزن جنس، وأصلُه التّمايل والانحراف نحو الباطل، وأكثر ما تُستعمل هذه الكلمة للذّنوب النّاتجة من عدم الوفاء بالوعد، ونقضِ العهد بعد الالتزام به، التي تُعَدّ من الذّنوب الكبيرة. (ورد هذا الاصطلاح مرّتين في القرآن الكريم).
إنّ هذه الاصطلاحات السّبعة عشر يبيّن كلّ واحدٍ منها جزءاً من الآثار الوخيمة للذّنب ويجسّد ألوانه، وكلّ واحدٍ منها له أسلوب خاصّ في تحذير النّاس من ارتكاب الذّنوب.