قد كانت شخصية الإمام الرضا عليه السلام ملتقى للفضيلة بجميع أبعادها، فلم تبق صفة شريفة يسمو بها إلا وهي من ذاتياته، ومن نزعاته، فقد وهبه الله كما وهب آباءه العظام كل مكرمة، وحباه بكل شرف وجعله علما لأمة جده، يهتدي به الحائر، ويرشد به الضال وتستنير به العقول. أما أخلاق الإمام الرضا عليه السلام فإنها نفحة من أخلاق جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله التي نعرض منها:
- تواضعه: من معالي أخلاقه أنه لمّا تقلّد ولاية العهد لم يأمر أحدا من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه وإنما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه، ومن سمو أخلاقه أنه إذا جلس على مائدة أجلس عليها مماليكه وقد أعطى بذلك درسا لهم، لقاء التمايز بين الناس، وإنهم جميعا على صعيد واحد. يقول إبراهيم بن العباس: سمعت علي بن موسى الرضا يقول: "حلفت بالعتق ولا أحلف بالعتق إلا أعتقت رقبة، وأعتقت بعدها جميع ما أملك، إن كان يرى أنه خير من هذا، وأومأ إلى عبد أسود من غلمانه، إذا كان ذلك بقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله،
إلا أن يكون له عمل صالح فأكون أفضل به منه". وقال له رجل: والله ما على وجه الأرض أشرف منك أبا، فقال عليه السلام: "التقوى شرفتهم، وطاعة الله أحفظتهم". وقال له شخص آخر: أنت والله خير الناس، فرد عليه قائلا: "لا تحلف يا هذا، خير مني من كان أتقى لله عز وجل، وأطوع له. والله مانسخت هذه الآية: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾".
- زهده: عن محمد بن عباد قال: كان جلوس الرضا عليه السلام على حصيرة في الصيف، وعلى مسح (الكساء من الشعر) في الشتاء. ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم. ويجمع الرواة أنه حينما تقلد ولاية العهد لم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة، ولم يقم لها أي وزن ولم يرغب في أي موكب رسمي، وكره مظاهر العظمة التي يقيمها الناس لملوكهم.
- سخاؤه: ولم يكن شيء في الدنيا أحب إلى الإمام الرضا عليه السلام من الإحسان إلى الناس والبرّ بالفقراء، وقد نقلت بوادر كثيرة من جوده وإحسانه كان منها: * إنه أنفق جميع ما عنده على الفقراء حينما كان في خراسان. * ومن سخائه أنه إذا أُتي بصحفة طعام عمد إلى أطيب ما فيها من طعام، ووضعه في تلك الصحفة ثم يأمر بها إلى المساكين، ويتلو هذه الآية: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ ثم يقول: "علم الله عز وجل أن ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل له السبيل إلى الجنة". *
ومن بوادر جوده وكرمه أن فقيرا قال له: أعطني على قدر مروّتك... فأجابه الإمام: "لا يسعني ذلك..." والتفت الفقير إلى خطأ كلامه فقال ثانية: أعطني على قدر مروّتي... وقابله الإمام ببسمات فياضة بالبشر قائلا: "إذن نعم..." وأمر له بمائتي دينار. إن مروءة الإمام لا تُعد فلو أعطاه جميع ما عنده فإن ذلك ليس على قدر مروءته ورحمته التي هي امتداد لمروءة جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.
- عتقه للعبيد وإحسانه إليهم: ومن أحب الأمور إلى الإمام الرضا عليه السلام عتقه للعبيد، وتحريرهم من العبودية، وقد روى عبد الله بن الصلت عن رجل من أهل بلخ، قال: كنت مع الإمام الرضا عليه السلام في سفره إلى خراسان فدعا يوما بمائدة فجمع عليها مواليه، من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة، فأنكر عليه ذلك وقال له: "إن الرب تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والجزاء بالأعمال...".
المصدر:شبكة المعارف