ثقافتنا: الحاجة عفاف الحكيم
مميزات الثقافة الإسلامية إذا عرفنا أن الثقافة هي مجموع الأفكار والمعارف التي تصوغ نفس الإنسان وتوجه سلوكه، أمكننا أن نقدر قيمة الكنز الذي الذي نمتلكه بفضل الإسلام، ومن ثم مقدار الخسارة التي حلت بنا حين فقدت شخصيتنا الاسلامية عناصر مقوماتها.
فالثقافة، إن كانت عند غيرنا انعكاس للواقع المادي الذي أوجدته الأنظمة الوضعية ... فإنها عندنا انعكاس للوضع المعنوي الذي أوجده ديننا العظيم.... وما عاشته أمتنا من وضع حضاري متميز، وما طلعت به على الانسانية من نور العلم والمعرفة، ليس إلا نتاجا للنهج الإلهي الذي أديرت به معركة ضخمة داخل النفس وخارجها، فحقق ما حقق داخل النفوس التي تلقته وانطبعت به... ولذا لا نستطيع القول بأن أمتنا تمتلك ثقافة سليمة وحسب، بل وتمتلك ثقافة ربانية من مهماتها العمل على تطهير النفس وتخليصها من كافة المقومات التي يمكن أن تعرقل تقدم الإنسان، وتكامله.
هذا ما يلمسه كل متأمل لمضمون الرسالة الخاتمة التي هي مصدر ثقافتنا، والتي جاءت بمميزات وخصائص دلت على مدى ما تتمتع به من شمول وواقعية، فهي بالنسبة إلى الثقافة:
أولا: جاءت بنمط فريد من الثقافة الإلهية، بحيث حدثت المسلم عن الله سبحانه وتعالى وصفاته وعلمه وقدرته ونوع العلاقات بينه وبين الانسان، وحدثته عن دور الأنبياء في هداية البشر . ووحدة رسالتهم وما تميزوا به من قيّم ومثل... ثم عن الصراع المستمر بين الحق والباطل. وعن الارتباط بين رسالات الله والمستضعفين، ثم ضمت إلى هذا قيما ومفاهيم شملت كافة شؤون الحياة والانسان. وهذه القيّم والمفاهيم جسدت في تشريعات وأحكام تعتبر من أنفس ما عرفه الانسان في هذا المجال.
ثانياً: إن هذه الثقافة – التكاملية الواسعة – تميزت بمضمون عملي فهي من جهة قدمت للمسلم الصورة الكاملة عن صفات الله سبحانه وتعالى– المتصف بالخير المطلق- ومن جهة ثانية دعته إلى التخلق بأخلاق الله أي دعته إلى المحاولة والطموح باتجاه العدل الذي لا حد له، والعلم الذي لا حد له، إلى الرحمة والابداع والصدق والكرم وكامل الصفات التي لا بد أن يترسمها كل مسلم ومسلمة ليبلغوا بها غاية المستطاع من طاقة المخلوق. وإن نظرة إلى التاريخ ترينا أنه حين غمرت أنوار هذه الثقافة قلوب المسلمين نالوا زعامة الدنيا بلا منازع وامتدت حضارتهم لتملأ شرق الأرض وغربها. وحين انصرفوا عنها فإن قوى البغي والظلم والاستعمار حطت رحالها بين أظهرهم.
إن أخطر ما واجهته هذه الأمة من حملات، هو تلك الهجمة الفكرية الشرسة التي شنها الغرب على عقول المسلمين عبر أخبث الأساليب والمخططات. إلى أن أصبح معظم أبناء الاسلام لا زاد لفكرهم ومشاعرهم إلا بضاعة الغزو القادم من الغرب والشرق تلك البضاعة السامة التي شبت أجيال عليها حتى باتت مستعبدة ومملوكة للواقع الفاسد الذي أحاط بها. ومن هنا قول المسلمين ومرجعهم الامام الخميني (حفظه الله)، "إن هزيمتنا في شخصيتنا لهي أكبر هزائمنا أمام الدول الكبرى".
"إن الثقافة هي أساس كل سعادات ومصائب الشعب، فإذا كانت الثقافة غير صالحة فإن الشباب الذين يربون في محيط هذه الثقافة يصبحون مفسدين". لننهل من الثقافة الأصيلة. ومن هنا يجدر بنا أختي المؤمنة، ومن حولنا يتفتح جيل وتنمو براعم أن ننهض لنجند الطاقات كل الطاقات من أجل الاجهاز على فلول ثقافية عصور التخلف والتي تعتبر العائق الأكبر في طريق انتصارنا. فنحن مدعوات الآن نعي ويعي الجيل والناس خلالنا: بأن القرآن إنما جاء لينفذ كلمة كلمة، وتكليفا تكليفا... جاء لتكون آياته هي الأوامر اليومية التي نتلقاها لنعيش معها الانطباع والتكيف المطلوب. فثقافتنا -أختي – هي المطلب الإلهي الذي يجعل من طلب العلم والتفقه في الدين "نفيرا" كالنفير إلى ساحات الجهاد.
ثقافتنا هي ثقافة الحكم الشرعي الذي سيمكننا جميعا من أن نقول للحق هذا حق وللباطل هذا باطل مهما جر علينا هذا الموقف من مصاعب وويلات. نحن مدعوات إلى تحقيق التفاتة جادة باتجاه جزء كبير من مجتمعنا، الذي لا يزال يغط في سبات عميق بعد أن أماتت سموم الغرب قلبه وبات لا يفكر إلا في منام أو طعام: فمدي لهم يد العون واسألي الله سبحانه وتعالى بأن تكوني الوسيلة لإخراج العديدين "من ذل معصية الله إلى عز طاعته" فبادري أختي ولا تبخلي.
انصري الله في موقعك إن لم يكن بالقلم فبالكلمة، وإن لم يكن بالكلمة فبالسعي والتحصيل ، والمحاولة... فالوضع الجهادي الذي نعيشه اليوم لا مجال معه للسكون والسكوت... عالمنا المترقب لم يعد فيه مكان للجامدين الكسالى، فقوى الاستكبار العالمي اتحدت على باطلها -كما ترين – وعلينا أن ننهض بقوة لتوحيد قلوب المسلمين على حقهم ... وتذكري دائما بأن ثقافة الاسلام ليست العلاج الشافي لجميع عللنا وحسب وإنما هي العلاج الشافي لجميع علل العالم الذي بات يئن مستغيثا.
ثقافة الاسلام هي سترتفع بالخائضين من سفاسف الأمور إلى كبارها. هي التي ستجعلنا نعيش المسؤولية عند كل خطوة تخطوها هي التي ستجعل الامتثال المطلق لأوامر الله سبحانه سمة تطبع حياتنا ثقافة الاسلام هي التي جعلت العالم يلتفت باتجاهنا مبهورا عبر النماذج الرسالية التي ذابت في الله.
ثقافة الاسلام هي التي بدلت قلق المتطلعين من مفكري العالم إلى طمأنينة وسكينة، من أمثال روجيه غارودي وفيليب كوستو وموريس بوكيه. وهي التي ألقت الرعب في قلوب المستكبرين من أمثال ريغان وبيغن، وتاتشر التي قالت بعد انتصار ثورة الاسلام: "إن السنوات القادمة هي من أحلك السنوات بالنسبة إلى السيادة الغربية، لإنها باتت هذه المرة مهددة بخطر حقيقي غير خطر الاتحاد السوفياتي، وهو خطر الإسلام، وهذا الخطر مسلكي وحضاري أكثر مما هو خطر عسكري"
مجلة البشرى