د.محمد محسن عليق ـ أستاذ جامعي؛ باحث في التربية الإسلامية وعلم الجمال •
إبني مدمن على استخدام الهاتف الذكي. إنه يقضي الساعات الطويلة منقطعًا عن كل شيء الا هاتفه، وبات لا يعير اهتمامًا لأي نشاط آخر. كيف أساعده على تخطي هذه الأزمة؟
بداية، فلنقم بصراحة ودون مجاملات بإعادة صياغة السؤال بشكل واقعي: لقد جعلنا إبننا مدمناً على إستخدام الهاتف الذكي...فماذا نفعل الآن لتخطي هذه الأزمة؟ "!!
إن معرفة أسباب أي مشكلة وسياق نشوئها هو الأساس لفهمها وإيجاد الحلول لها و العمل بها . ا
لعديد من الأهالي الأعزاء لا يلتفتون لبعض الأمور، الاّ وهم يشكون من أولادهم ! والحق ان الكثير من عادات الأبناء و خصالهم قد تشكلت بالتدريج وعلى مدى أيام واشهر وحتى سنوات متتالية وتحت نظر الأهل وبسبب أساليبهم التربوية في الكثير من الأحيان.
حسنٌ هذا إعتراف ونية بالتغيير ،فما العمل ؟
الأصل الأول:
ينبغي في إمتلاك الأبناء- وكذلك بالنسبة لنا نحن الكبار- للأشياء والوسائل والألعاب (كالهاتف الذكي مثلا) أن نسأل هل هي حاجة حقيقية ؟
هل تلزمهم لتحقيق أهداف مناسبة ؟
ما هي حدود هذه الحاجة وهل هي أولوية ؟
ولا تكون الرغبة في الحصول على هذه الأشياء هي الحاكمة, أو القدرة على شرائها ، والأسوأ أن يكون المعيار هو " الكل عندنا في الصف لديه هاتف ذكي وأنا أيضا أريد!"
الأصل الثاني:
هذا الهاتف هو وسيلة جيدة ومفيدة وتسهل عملية التواصل والحصول على معارف ومعلومات و تسلية وترفيه ... لكنه في النهاية أداة وتحتاج الى قواعد ونظام للإستخدام وتحديد أهدافها و نفعها لا أن يصبح الإنسان في خدمتها!
الأبناء الذين يعيشون في بيت لديه أنظمة وقواعد محددة وقد ساهموا مع آبائهم وأمهاتهم في وضع وتنظيم هذه القواعد ، من الصعب أن يدمنوا على عادات ذات بعد واحد ، فحين يسود العقل ، يزول الإفراط والتفريط. الأصل الثالث: التنوع والتدرج ، حيث ينبغي تشجيع ابنكم ومساعدته للقيام بأنشطة متعددة تنمي عنده أبعاداً ومهارات عديدة مطلوبة لبناء هوية متوازنة ، الرياضة واللعب والنشاط من جهة والمطالعة وقراءة الكتب والمجلات ، وكذلك الوقت المخصص للدرس ، وكلها نشاطات ينبغي ترك الهاتف أثنائها فضلاً عن أوقات الطعام والزيارات والتنزه في الطبيعة والمشاركة في النشاط الإجتماعي والديني والكشفي ...
ومن ثم تحديد وقت للذهاب الى النوم - دون هاتف بالطبع - وتوضيح هاديء لما فيه من مخاطر صحية ونفسية .
بالطبع ينبغي ان تترافق هذه الانشطة مع تفعيل حقيقي للإستفادة المدروسة من الهاتف الذكي في الواجبات المدرسية وكذلك التسلية والبحث عن اجابات للمسائل البيتية والعلمية والفكرية ( من تعلم التصوير الى الطبخ والروبوت الى إنقاذ البشرية والتمهيد!)؛
إن تعلم إستخدام الأدوات التقنية ليس أمراً بديهياً رائجا بل يحتاج الى تعليم و إعداد غير مباشر غالباً. وعليه فإن دوركما كأهل ونموذج في إستخدام الهاتف والحاسوب والتلفاز وماشابه أساسي جداً ،فالأبناء ينظرون اليكما عملياً أكثر مما يستعمون لكلامكما مهما كان صحيحاً وجميلاً! الأصل الرابع:
لا يمكن حدوث أي تغيير تربوي حقيقي الأّ بوعي المتربي وإختياره ، لا القوة والإكراه ولا اليأس والتهرب والحرية المطلقة يمكن أن تربي ، فليكن الحوار والتفكرّ في القضايا إضافة الى تقوية ثقة الولد بنفسه مع إشرافكما وحنانكما بإستمرار وإعطاء الأمل بمستقبل أفضل ،نقاطاً بارزة في شخصيتكما لتنتقل بسلاسة وهدوء الى الابناء.
التربية الحقيقية تستلزم منح الوعي والبصيرة للأبناء لمعرفة هذا الزمان والتطورات العالمية وفهم مسار الإختراعات العلمية والتقنية ودور الظالمين العالميين في إستغلالها للسيطرة على الارض والبشر وفي المقابل دورنا نحن في صناعة حياتنا الطيبة والإستفادة العاقلة من كل الوسائل في كل المجالات ..
من يعتقد بأن أبناءنا في عمر الثالثة عشرة مثلاً لا يستوعبون هذه المفاهيم والقضايا ، فهو مخطئ وواهم حتماً! فليحاول وسيرى ..
إن هذا الجيل مفعم بالطاقة والقدرات الهائلة ، ينبغي علينا مساعدته من خلال فتح الأفق وتشجيعه على الإبداع والإنطلاق بأمل ونشاط . الإدمان على الهاتف أو الألعاب الإلكترونية أو مواقع التواصل كلها مخاطر وتحديات يمكن حلها وليست مستعصية ، بشرط أن لا نحولها الى قضية نزاع وصراع مع الأبناء ولا نتجاهلها ونرضى بالإفراط فيها وكأنها أمر واقع وبأن " الكل هيك بهالأيام !"
على الرغم من كل المصاعب والتحديات،إنه زمن جميل جداً وفرصة إستثنائية لتربية انفسنا و مساعدة أبنائنا الأحباء على تحرير طاقاتهم وبناء شخصيات قوية وسعيدة تحيا الحياة الطيبة.