يقول الإمام الخامنئي دام ظله متحدثاً عن شخصيّة الإمام الحسين عليه السلام: "إنَّ لهذه الشخصية الألمعيّة الباهرة بُعدين: بُعد الجهاد والشهادة، الذي أحدث إعصاراً ممتداً عبر التاريخ وسيبقى على ما يتسم به من بركات مدوياً على مدى الدهر، والبُعد المعنويّ والعرفانيّ، هذا البعد الآخر يتجلّى بوضوح في دعاء عرفة وبشكل عجيب،فقلّما يوجد لدينا دعاء يحمل هذه اللوعة والحرقة والانسياق المنتظم في التوسّل إلى الله والابتهال إليه بالفناء فيه، إنّه حقاً دعاء عظيم.
وكذلك يتجلى هذا البعد في خطابه الذي ألقاه على مسامع أكابر شخصيّات عصره وأكابر المسلمين التابعين في منى، حيث تشاهدون ذلك النَفَس الحسينيّ الموجود في دعاء عرفة". وعن هذا البُعد العرفانيّ لشخصية الامام الحسين والذي تجلى في عاشوراء يقول سماحته دام ظله: "إذا نظرتم إلى واقعة عاشوراء وأحداث كربلاء،
فبالرغم من أنّها ساحة قتال وسيف وقتل، إلا أنَّكم ترون الحسين عليه السلام فيها، يتكلّم ويتعامل بلسان الحبّ والرضا والعرفان مع الله تعالى. ففي آخر المعركة وضع خدّه المبارك على تراب كربلاء اللاهبة، وقال: "إلهي رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك". وكذا حين خروجه من مكّة قال: "من كان باذلاً فينا مهجته، وموطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا"، بل إنّ كلّ قضيّة كربلاء ترون فيها وجه العرفان والتضرّع والابتهال.
لقد اقترن خروجه ذاك بالتوسّل والمناجاة وأمنية لقاء الله، وبدأ بذلك الاندفاع المعنويّ المشهود في دعاء عرفة إلى أن انتهى به المطاف في اللحظة الأخيرة إلى حفرة المنحر حيث قال: "ورضاً بقضائك".
ويتابع سماحته دام ظله في نفس المضمار قائلاً: "القضيّة التي أريد الإشارة إليها هنا هي أنّ هذا الاندفاع المعنويّ، والعرفان، والابتهال إلى الله والفناء فيه، وعدم رؤية الذات أمام إرادته المقدّسة، هو الذي أضفى على واقعة كربلاء هذا الجلال والعظمة والخلود، أو بعبارة أخرى إنّ البُعد الأول أي بُعد الجهاد والشهادة، جاء كحصيلة ونتاج للبُعد الثاني، أي أنَّ نفس تلك الروح العرفانيّة والمعنويّة تجدها في شهادة نابعة من روح الإيمان، ومنبثقة من قلب يتحرّق شوقاً، وصادرة عن روح متلهّفة للقاء الله، ومستغرقة في ذات الله، هذا اللون الآخر من المجاهدة له طعم ونكهة أخرى، ويضفي أثراً آخر على التكوين".