1 الطواف
الضيافة الربانيّة الأولى في أعمال الحجّ والعُمرة في داخل المسجد الحرام، وهي التي تتحقّق بالطواف حول البيت العتيق حيث: ـ يُباهي الله بالطائفين
1. ـ ويُنزل عليهم كلّ يوم ستين رحمة
2. ـ ويُعطيهم بكلّ خطوة حسنة.
3ـ ويَمحي عنهم بكلّ خطوة سيّئة.
4ـ ويرفع لهم بكلّ خطوة درجة
ومن مظاهر الضيافة الربانيّة حول الكعبة ما ذكره الإمام الباقر عليه السلام: "فإذا طُفْتَ أسبوعاً كان لك بذلك عند الله عزَّ وجلَّ عهدٌ وذكرٌ يستحي منك ربُّك أن يعذّبك بعده".
فإذا تكرّر الطواف من العبد منحه الله العطيَّة الكبرى الواردة في الحديث: "من طاف بالبيت خمس مرات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمُّه".
أدب الطواف
وللضيافة آداب على الضيف، وفي ضيافة الطواف لا بدَّ للطائف أن يتأدَّب بباطنه وظاهره، أمّا باطنه فينوي وهو يسير وموضع قلبه إلى جهة الكعبة أنّ قلبه سيبقى مع الله لا يُدخل فيه أحداً غيره، فيمشي بوقار بين البطء والسرعة4، ولا يتكلّم إلاَّ بخير5، وخير الكلام هو القرآن الكريم، فيتلو في طوافه آياته، ومن خير الكلام ما ذُكر في روايات أهل العصمة عليهم السلام، نذكرها تباعاً:
1 ـ ذكر الله: فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من طاف بالبيت سبعاً، ولا يتكلّم إلاَّ بسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاَّ الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوّةَ إلاَّ بالله، مُحيت عنه عشر سيّئات، وكُتبت له عشر حسنات، ورُفع له بها عشرُ درجات..."6.
2 ـ الصلاة على محمّد وآله فقد سأل أحدهم الإمام الصادق عليه السلام قائلاً: دخلت الطواف الفريضة، فلم يُفتح لي شيء من الدعاء إلاَّ الصلاة على محمّد وآل محمّد، وسعيت فكان كذلك، فقال عليه السلام: "ما أُعطِيَ أحد ممّن سأل أفضل ممّا أُعطيت"7.
3 ـ الدعاء وقد وردت أدعية كثيرة تُقال في الطواف. منها: ما رُوي في جواب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لخديجة الكبرى عليها السلام حينما سألته: ما أقول وأنا أطوف بالبيت؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهمّ اغفر لي ذنوبي وخطاياي وعمدي، وإسرافي في أمري، إنّك إن لا تغفر لي تُهلكني"8.
ومنها: ما ذكره الإمام الصادق عليه السلام بقوله: طف بالبيت سبعة أشواط، وتقول في الطواف: "اللهمَّ إنّي أسألك باسمك الذي يُمشى به على طُلَلِ الماء9، كما يُمشى به على جَدَد الأرض10، وأسألك باسمك الذي يهتزّ له عرشك، وأسألك باسمك الذي تهتزُّ له أقدام ملائكتك، وأسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له، وألقيتَ عليه محبَّةً منك، وأسألك باسمك الذي غفرتَ به لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وأتمَمْت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا.. ما أحببت من الدعاء".
وكلّما انتهيت إلى باب الكعبة صلِّ على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وتقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: "ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار".
وقل في الطواف: "اللهمّ إنّي إليك فقير، وإنّي خائف مستجير، فلا تغيِّر جسمي، ولا تبدِّل اسمي"11
. صلاة الطواف
ينتهي من طوافه ليصلّي خلف مقام إبراهيم عليه السلام صلاة الطواف التي ورد أنّ ثوابها أجْرُ ألفي ركعة مقبولة. ويدعو بعدها بما ذكره الإمام الصادق عليه السلام: "اللهمّ ارحمني بطواعيتي إيّاك، وطواعيتي رسولك صلى الله عليه وآله وسلم، اللَّهمَّ جنِّبني أن أتعدَّى حدودك، واجعلني ممّن يُحبُّك، ويحبّ رسولك وملائكتك وعبادك الصالحين"12.
سرّ مقام إبراهيم عليه السلام وكانت صلاة الطواف خلف مقام إبراهيم عليه السلام لكرامة في هذا المقام حيث وقف خليل الله إبراهيم عليه ونادى بأعلى صوته بما أمره الله عزَّ وجلَّ، فلما تكلَّم بالكلام لم يحتمله الحجر، فغرقت رجلاه فيه، فقلع إبراهيم عليه السلام رجليه من الحجر قلعاً13، وما تزال آثار قدمي إبراهيم عليه السلام في المقام إلى يومنا هذا.
آداب الصلاة والمقام
وفي رواية شبلي عن الإمام زين العابدين عليه السلام ما يدلّ على آداب باطنيّة للوقوف والصلاة عند مقام إبراهيم عليه السلام، فقد سأله الإمام عليه السلام: نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم أنّك وقفت على كلّ طاعة، وتخلَّفت عن كلّ معصية؟ قال شبلي: لا. قال عليه السلام: فحين صلَّيت ركعتين، نويت أنّك اتصلت بصلاة إبراهيم، وأرغمت أنف الشيطان لعنه الله؟ قال شبلي: لا. قال عليه السلام: "... لا وقفت عند المقام، ولا صلَّيت فيه ركعتين"14.
ماء زمزم
قبل أن يَشرع الحاجّ بالسعي، ينبغي أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي توجَّه بعد صلاة الطواف إلى ماء زمزم، وهو الماء الموصوف على لسان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "خيرُ ماء على وجه الأرض ماءُ زمزم"15.
قصّة ماء زمزم
وتعود قصّة هذا الماء إلى ابتلاء الله تعالى لخليله إبراهيم عليه السلام حينما أمره بترك زوجته هاجر وطفله إسماعيل عليه السلام بالقرب من مكان البيت العتيق، حيث لا ماء ولا بشر هناك. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "لمّا ارتفع النهار عطش إسماعيل وطلب الماء، فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى ونادت: هل في الوادي من أنيس؟ فغاب عنها إسماعيل، فصعِدت على الصفا، ولمع لها السراب في الوادي، وظنَّت أنّه ماء، فنزلت من بكن الوادي وسعت، فلمّا بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل، ثمّ لمع لها السراب في ناحية الصفا، فهبطت إلى الوادي تطلب الماء، فلمّا غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت، حتى فعلت ذلك سبع مرات، فلمّا كان في الشوط السابع - وهي على المروة - نظرت إلى إسماعيل، وقد ظهر الماء من تحت رجله، فعادت حتى جمعت حوله رملاً، فإنّه كان سائلاً فزمَّته بما جعلته حوله، فلذلك سميت زمزم"16.
آثار ماء زمزم
ورد أنّ ماء زمزم له آثار عديدة جعلها الله تعالى فيه كرامة لعائلة التضحية إبراهيم وزوجته وابنه عليهم السلام، فمن هذه الآثار أنّه:
ـ "دواء لما شُرب له"17.
ـ "أمانٌ من كلّ خوف وحزن"18.
ـ يؤثّر في إفاضة الله تعالى للعلم والرزق كما يظهر من بعض الأدعية الآتية.
آداب ماء زمزم
من آداب الضيافة في أعمال الحجّ والعُمرة أن يُشرب من ماء زمزم قبل الخروج إلى الصفا، ويُستحبّ عند الشرب أن يُقال: "اللهمّ اجعله لي عِلْماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كلِّ داءٍ وسَقَم"19.
كما ورد استحباب أن يقول إذا شرب منه: بسم الله، الحمد لله، الشكر لله20. وإضافةً إلى الشرب يُستحبّ لمن انتهى طوافه وصلاته أن يصبّ من هذا الماء على رأسه وظهره وبطنه ويدعو بالدعاء السابق "اللهمَّ اجعله لي عِلْماً..."21.
ماء زمزم في رواية شبلي وفي الرواية الواردة عن الإمام السجَّاد عليه السلام قال فيها لشبلي وهو يبيِّن البعد الباطني للشرب من ماء زمزم، قال عليه السلام فيها: أشرفت على بئر زمزم وشربت من مائها؟ قال شبلي: نعم، قال عليه السلام: أنويت أنّك أشرفت على الطاعة وغضَضْتَ طرفك عن المعصية؟ قال شبلي: لا ، قال عليه السلام: "فما أشرفت عليها، ولا شربت من مائها!"22.
السعي بين الصفا والمروة
ويتجِّه الحاجّ والمعتمر إلى جبل الصفا ليبدأ سعيه بين الجبلين اللَّذَيْن جعلهما الله تعالى من شعائره في قوله: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ من شعائر الله، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾23. وقد ورد أنّ تاريخ الصفا والمروة واسميهما يرجعان إلى هبوط آدم وحوّاء على الأرض، حيث هبط آدم على الجبل الذي سمَّاه الله تعالى بالصفا من قوله: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ﴾24، وهبطت حوّاء على الجبل الذي سمَّاه الله تعالى بالمروة من اسم المرأة.
فضل المسعى
ويسعى ضيف الله بين الصفا والمروة (مسافة 400 كلم تقريباً) في بقعة مباركة من الله تعالى، حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من بقعة أحبُّ إلى الله من المسعى..."25.
حكمة السعي
ورد سابقاً أنّ هاجر قامت بالسعي بين الصفا والمروة، إلاَّ أنّ بعض الروايات تدلّ على ارتباط السعي بالنبيّ إبراهيم عليه السلام أيضاً، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "صار السعي بين الصفا والمروة؛ لأنّ إبراهيم عرَضَ له إبليس، فأمر جبرئيل عليه السلام فشدَّ عليه فهرب منه، فجرت السنَّة. يعني بالهرولة"26.
وتدلّ بعض الروايات على أنّ الله تعالى أراد من خلال فريضة السعي أن يُذلَّ المتجبِّرين لما للمشي والهرولة من شعور بالذِّلَّة أمام الله تعالى، فقد رُوي أنّ الإمام الصادق عليه السلام سُئِل: لِمَ جُعِلَ السعي؟ فقال عليه السلام: "مذلَّة للجبّارين"27.
ثواب السعي
وفي ثواب السعي تحدَّث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "الحاجّ.. إذا سعى بين الصفا والمروة، خرج من ذنوبه"28. وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "الساعي بين الصفا والمروة، تشفع له الملائكة، فتُشفّع فيه بالإيجاب"29، أي أنّها تُقبل شفاعتُهم بإيجاب الله تعالى على نفسه في حقّه.
آداب السعي :
يُستحبّ للساعي أن يقف قبل سعيه على الصفا مستقبلاً الركن الذي فيه الحجر الأسود، وهناك يحمُد الله ويُثني عليه. ـ ثمّ يكبّر الله سبع مرّات. ـ ثمّ يحمُده سبع مرّات. ـ ثمّ يهلّله (لا إله إلاَّ الله) سبع مرّات، ثمّ يصلِّي على النبيّ وآله عليهم السلام. ـ ثمّ يقول: "الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا، والحمد لله الحيّ القيّوم، والحمد لله الحيّ الدائم" ثلاث مرّات. ـ ثمّ يقول: "أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، لا نعبد إلاَّ إيَّاه مخلصين له الدين، ولو كره المشركون" ثلاث مرّات. ـ ثمّ يقول: "اللهمّ إنّي أسألك العفو والعافية، واليقين في الدنيا والآخرة" ثلاث مرّات.
ـ ثمّ يقول: "اللهمّ آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار" ثلاث مرّات. ـ ثمّ يكبّر الله مئة مرّة. ـ ثمّ يهلِّل الله مئة مرّة. ـ ثمّ يحمد الله مئة مرّة. ـ ثمّ يسبّح الله مئة مرّة. ـ ثمّ يقول: "لا إله إلاَّ الله وحدَه، أنجز وعدَه، ونصر عبدَه، وغلب الأحزاب وحدَه، فله الملك، وله الحمد وحدَه وحده، اللَّهمَّ بارك لي في الموت، اللَّهمَّ إنّي أعوذ بك من ظلمة القبر ووحشته، اللَّهمَّ أظلَّني في ظلِّ عرشك يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّك".
ـ ثمّ يقول: "أستودع الله الرحمن الرحيم الذي لا يضيِّع ودائعَه نفسي وديني وأهلي، اللَّهمَّ استعملني على كتابك وسنَّة نبيّك، وتوفَّني على ملَّته، وأعذني من الفتنة". ـ ثمّ يكبّر الله إحدى عشرة مرّة. وقد عقَّب الإمام الصادق عليه السلام بعد أن ذكر هذا العمل الطويل المستحبّ قبل البدء بالسعي بقوله عليه السلام: "فإن لم تستطع هذا فبعضه"30.
وقد ورد ذكر مختصر يقال في مَنْسَكِ السعي هو ما ذكره أحد أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام إذ قال: كنت وراء أبي الحسن موسى عليه السلام على الصفا ـ أو على المروة ـ وهو لا يزيد على حرفين: "اللهم إنّي أسألك حسن الظنِّ بك في كلّ حال، وصدق النيَّة في التوكّل عليك"31.
سرُّ السعي الباطني
وبيَّن الإمام السجَّاد سرَّ السعي الباطنيّ لشبلي حينما سأله: فحين سعيت نويت أنَّك هربت إلى الله وعرف ذلك منك علاَّم الغيوب؟ قال شبلي: لا، قال عليه السلام: "فما... سعيت"32.
التقصير وينتهي الساعي في سعيه في صخرة المروة ليُحِلَّ من إحرامه بتقصير شعره، وهو يأمل أن تكون الشعرات الساقطة تتلألأ بأنوارها يوم القيامة. وبهذا يُنهي الضيف رحلة الضيافة الأولى ليبدأ رحلته الثانية حينما يُحْرِم من مكَّة ويلبِّي دعوة الله تعالى ويتوجّه في ضيافة الله تعالى إلى عرفة.
المصدر:جمعية المعارف(1)
يتع