أصل العبادة وجذورها:
من ذا الذي يعرف الله سبحانه بأوصافه وكمالاته اللامتناهية ولا يخضع لربوبيّته، ولا يسلّم لوجهه؟ يُبيّن لنا الله (عزّ وجلّ) في القرآن، من طريق القصص، والتاريخ، آياتِ قدرته وعظمته، مثلاً: وهب مريم ابنة عمران ولدًا من غير زوج، وفلق نهر النيل لموسى عليه السلام، فنجّاه وقومه وأغرق فرعون، ونصر أنبياءه المسالمين المجرّدين من السلاح في مقابل طواغيت عصورهم وفراعنة أزمنتهم، ومرّغ أنوف الجبابرة على الرغم ممّا كان لهم من سطوة وعدّة وعتاد.
والله هو العزيز المقتدر الذي خلق الإنسان من تراب لا حياة فيه، ونقلنا من العدم إلى الوجود، وهو الذي بيده موتكم وحياتكم، وعزّكم وذلّكم. فمن هو العاقل الذي يُدرك ضعفه وعجزه وجهله وحدود قدراته، ويعي الأخطار والحوادث المتوقّعة وغير المتوقّعة التي قد تعصف به، ثم لا يشعر بالحاجة إلى قدرة تُنجيه، ولا يُسلّم ولا يخضع لهذه القدرة المطلقة التي لا حدود لها؟!! ويُذكّرنا القرآن الكريم في أجمل صورة وبيان بضعف الإنسان، فيقول لنا في آيات عدّة منه، ويُذكّرنا ويُؤدّبنا بهذا الأدب، وهو أدب الالتفات إلى العجز والحاجة إلى الله:
1- ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
2- ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾5
3- ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ﴾.
4- ﴿لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾
5- ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾.
6- ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴾.
7- ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾.
ويضاف إلى هذه الآيات غيرها من الآيات والنماذج التي تبلغ العشرات. وكلّها تهدف إلى توعية الإنسان وإيقاظه من غفلته، وتحطيم غروره الكاذب، وإعادته إلى فطرته، ألا وهي عبادة الخالق الواحد والتذلُّل إليه.
المصدر:من كتاب شرح الصلاة للشيخ محسن قراءتي