أقلعت الطائرة من مطار طهران، فانطلق إثرها نداء من أعماق قلبه: "السلام عليك يا غريب الغرباء ".
فالمقصد "مشهد " موطن الأحبّة وديار المعشوق، وما هي إلا ساعة حتى ينعم بلقائه ويطفي لهيب شوقه إليه. كانت الطائرة تحلّق في ا لأعالي، وقلبه يحلّق معها إلى الملكوت.
وفيما كانت تمخر عباب السماء، كانت روحه تسابقها لترفرف فوق القبّة الذهبية لثامن الأئمة جل جلاله، ولتهيم في الأجواء النورانية العابقة بعطر المودة للآل.. تستحضر أياماً ما كانت لتغيب عن البال، بل هي حاضرة في الوجدان بكل تفاصيلها ولحظاتها، وهل يمكن أن تغيب عن باله جلسات الأنس في محضر الحبيب، والساعات الطوال التي كان يقضيها في أروقة المقام وزواياه، مناجياً تارة، ومتوسلاً أخرى، ومستمداً العون ثالثة، أو متعلماً، مذاكراً ومباحثاً؟! لحظات ليس لها مثيل! ..
حطّت الطائرة، لكن روح القائد الخامنئي أبت إلا أن تبقى محلّقة في سماء الولاية.. توجّهت القافلة إلى المقام الشريف، وتوجّه هو إليه بعين القلب.. وصل، فجلس في غرفة صغيرة في أحد المكاتب المشرفة على الحرم، و شرع بقراءة الزيارة..
مضت مدة، حان وقت العشاء.. جاءه أحد المرافقين ليبلغه بالأمر.. رآه في حالة خضوع وتوجّه وبكاء.. لم يرد أن يقاطعه، تركه وعاد بعد فترة.. وهكذا وجده على نفس حالته الأولى، غارقاً في الدعاء والمناجاة، وتركه ثانية، ولما عاد في المرة الثالثة ورآه على تلك الحال، قرّر مع رجال المرافقة الآخرين،إخراجه من تلك الحالة خوفاً على صحته..
طرق الباب و أخبره بأن الأخوة بانتظاره.. فوقف بعدها بلحظات، وتوجّه إلى الحاضرين بوجه بشوش. فقد كانت سيرته دائماً، العمل بما نُقل عن أجداده الطاهرين: "إن المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه".
المصدر:كتاب مع القائد جمعية المعارف