وقاره وهيبته:
إن من جملة صفات المعصوم الوقار والهيبة التي تعكس عظمته وشموخه والفيوضات الروحية التي تصدر منه فالنور والبهاء والجمال المعنوي وحسن الكلام وفصل الخطاب وعذوبة اللسان وفصاحة المنطق تجعل الآخرين يقفون بكل احترام ووقار. يقول محمد بن الحسن الأشتر العلوي: كنت مع أبي على باب المتوكل العباسي في جمع من الناس وبينما نحن كذلك إذ جاء أبو الحسن الهادي (عليه السلام) فوقف له الناس كلهم إجلالا وإكبارا حتى دخل القصر، فقال بعض الناس ممن يبغض الإمام ويحسده: لمَ نترجل، لهذا الغلام؟ ما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سناً والله لا نترجل له إذا خرج فقال له أبو هاشم وهو من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) والله لتترجلن له صغارا وذلة وعندما خرج الإمام علت الأصوات بالتكبير والتهليل وقام الناس كلهم تعظيما للإمام. فقال أبو هاشم للقوم: أليس زعمتم أنكم لا تترجلون له؟ فقالوا: والله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا. المصدرالخرائج والجرائح: ج2، ص675).
علمه:
عاش الإمام الهادي(عليه السلام) في عصر كانت فيه المناقشات الفقهية والمجادلات الكلامية والفلسفية شاملة وعنيفة، وكان على شبابه وصغر سنه يرجع إليه شيوخ الكلام، وأساطين الفلسفة، ويُسأل عن رأيه، حتى تسالم العلماء والفقهاء على الرجوع إليه(عليه السلام) في المسائل المعقدة والغامضة من أحكام الشريعة الإسلامية ومسائل العقائد المختلفة، وكان له (عليه السلام) دور كبير وتأثير معروف في إغناء المدرسة الإسلامية التي قاد أهل البيت (عليهم السلام) حركتها، وغذوها بروح الشريعة الغراء، وسنة المصطفى السمحاء، فقد عد الشيخ الطوسي في كتابه (الرجال) نحو 185 تلميذا وراويا أخذوا عنه العلم ورووا الحديث أو كاتبوه فأجابهم عن مسائلهم، وكان المتوكل العباسي وهو ألد أعدائه يرجع إلى رأيه (عليه السلام) في المسائل التي اختلف فيها علماء عصره، مقدماً رأيه (عليه السلام) على آرائهم، ولذلك شواهد كثيرة وجميعها تدل على أنه (عليه السلام) كان أعلم أهل عصره
وفيما يلي نورد بعض الروايات الدالة على غزارة علمه الذي لا يحد وفقهه الذي لا يجارى:
1- كان المتوكل نذر أن يتصدق بمال كثير إن عافاه الله من علته، فلما عوفي سأل العلماء عن حد المال الكثير، فاختلفوا ولم يصيبوا المعنى، فسأل الإمام الهادي (عليه السلام) عن ذلك، فقال (عليه السلام) : يتصدق بثمانين درهما. فسئل عن علة ذلك؟ فقال: إن الله قال لنبيه (صلى الله عليه وآله) : (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة)، فعددنا مواطن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبلغت ثمانين موطنا، وسماها الله كثيرة، فسر المتوكل بذلك وتصدق بثمانين درهما. المصدرتحف العقول: ص481).
2- وفي شرح شافية أبي فراس، قال: ومما نقل أن قيصر ملك الروم كتب إلى خليفة من خلفاء بني العباس كتابا يذكر فيه: إنا وجدنا في الإنجيل أنه من قرأ سورة خالية من سبعة أحرف حرم الله تعالى جسده على النار، وهي: الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء، فإنا طلبنا هذه السورة في التوراة فلم نجدها، وطلبناها في الزبور فلم نجدها، فهل تجدونها في كتبكم؟ فجمع العلماء وسألهم في ذلك، فلم يجب منهم أحد عن ذلك إلا النقي علي ابن محمد بن الرضا (عليه السلام) ، فقال: إنها سورة الحمد، فإنها خالية من هذه السبعة أحرف. فقيل: الحكمة في ذلك أن الثاء من الثبور، والجيم من الجحيم، والخاء من الخيبة، والزاي من الزقوم، والشين من الشقاوة، والظاء من الظلمة، والفاء من الفرقة، أو من الآفة.
فلما وصل إلى قيصر وقرأه فرح بذلك فرحا شديدا، وأسلم لوقته، ومات على الإسلام. شرح شافية أبي فراس الحمداني: ص563.
وأثرت عن الإمام (عليه السلام) روايات عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن أمير المؤمنين والباقر والصادق والرضا (عليهم السلام) ، وكذلك محاججاته المبهرة عن امتناع رؤية الله عز وجل دنيا وأخره، واستحالة التجسيم واستحالة وصفه، وحقيقة التوحيد، وإبطال الجبر والتفويض وأثرت عنه (عليه السلام) الأدعية والمناجات والزيارات أيضاً ومن أشهر زيارات الإمام الهادي (عليه السلام) لأبائه الأئمة الطاهرين