الزواج سكن للنفس:
يُعتبر الزواج عاملاً لإيجاد السكن والإطمئنان النفسي لدى كلٍّ من الرجل والمرأة. ولذلك نجد أحدهما ناقصاً دون الآخر. وهما في الحقيقة يُشكِّلان وجوداً متكاملاً، إذ يستند كلٌّ منهما إلى شريكه. يقول تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً...﴾1
ويقول سماحة الإمام الخامنئي دام ظله:
"عندما يُنهي الزوج والزوجة عملهما اليوميّ، أو يلتقيان في منتصف اليوم ويرى أحدهما الآخر، كلٌّ منهما يتوقّع من الآخر أنْ يكون قد تمكّن من جعل الوسط العائليّ وسط فرح ونشاط وإزالة للتعب، وهذا التوقّع في محلّه. إذا استطعتم افعلوا ذلك حيث ستكون الحياة هانئة"2.
"الكائن البشريّ يبحث في الجوّ المضطرب الناشئ من الاصطدام القهريّ، يبحث عمّا يلجأ إليه. إذا كان هناك زوجان في هذا الاضطراب يلجأ أحدهما إلى الآخر، فالزوجة تلجأ إلى زوجها، والزوج يلجأ إلى زوجته.الرجل في معترك الحياة يحتاج إلى لحظات سكينة، لكي يتمكَّن من شقّ طريقه، متى تكون لحظة السكينة تلك؟ إنَّها الأوقات التي يقضيها في وسط مُفعم بالمحبّة والحنان العائليّ مع زوجته التي تتودّدُ إليه، ويشعر بجنبها بأنّهما وجود واحد. اللحظة الّتي يلتقي فيها بزوجته تلك هي لحظة الراحة والسكينة"3.
"المرأة في زحمة حياتها الإنسانيّة تواجه أزمات واضطرابات، سواء كانت مشغولةً في خارج منزلها بالأنشطة المختلفة كالفعاليّات السياسيّة والاجتماعيّة وغيرها، أم في منزلها حيث لا تقلّ مسؤوليّاتها أهميّةً عن العمل خارج المنزل. وحين تواجه المرأة بعض المشاكل في هذا المعترك، ولمّا كانت روحها رقيقة، فإنّها أحوج ما تكون إلى السكينة والراحة والاعتماد على شخص موثوق، وليس هو إلا الزوج"4.
المشاركة في الهموم, مساعدة حقيقية:
" المساعدة الحقيقيّة للآخر، هي أن يُزيل كلٌّ منهما الهموم عن قلب صاحبه. فكلُّ إنسان مُعرّض للهموم في مسيرة حياته، حيث يصيبه همّ أو مشكلة أو تردّد أو إبهام، فعلى كلٍّ من الزوجين – في هذه الحالة – أن يُسارع إلى مساعدة الآخر، لكي يُزيل الهمّ عن قلبه ويُرشده ويتدارك خطأه، أو يمنعه إذا لاحظ أنّه في طريقه إلى الوقوع في الخطأ "5.
كلا الزوجين زينة للآخر:
مثلما يوضِّح القرآن أنّ كُلاًّ من الرجل والمرأة عاملُ استقرار للآخر يؤكّد كذلك أنَّ كلاًّ منهما زينة للآخر، يقول تعالى:
﴿... هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ...﴾6.
و"لباس" هنا ثلاثة:
أحدها هو "الزينة"، فيكون المعنى هو أنّ المرأة زينة للرجل مثلما اللّباس زينة له، ونفس الأمر يصدق على الرجل بالنسبة للمرأة.
والمعنى الآخر للآية هو أنّ الزواج يُحصِّن الرجل والمرأة من الانحراف.
والمعنى الثالث هو أن كلاٍّ من الرجل والمرأة سترٌ للآخر.
موطن السلوى والسرور:
إضافةً إلى كون كلٍّ من الزوجين سكناً وزينة للآخر، فإنّ كلّاً منهما سلوى وعامل للترفيه عن شريكه، وأفضل عامل في هذا المجال إذا كان البيت هو حقّاً كما يُريده الإسلام، وكان سلوك كلٍّ منهما على وفق تعاليمه.
ولهذا يقول النبيُّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:
"ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرُّه إذا نظر إليها "7.
ويُروى أنّ رجلاً جاء إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره أنّ لديه زوجة تتعامل معه على وفق تلك الصورة المتقدِّمة، الباعثة للسرور في قلبه، المزيلة للتعب والنَصَب عنه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
"... خيرُ نسائكم... الهيّنة الليّنة المؤاتية التي إذا غضب زوجها لم تكتحل(عينها) بغمض، حتّى يرضى وإذا غاب(عنها) زوجها حفظته في غيبته، فتلك عامل من عمّال الله وعامل الله لا يخيب"8.
يقول وليّ أمر المسلمين السيّد علي الخامنئي دام ظله:
"الزواج والإستقرار في كنف العائلة، إحدى الفرص المهمّة في الحياة، فهو وسيلة للإطمئنان والراحة النفسيّة، ومبعث للنشاط في الحياة وإزاحة للهموم، ووسيلة للحصول على مشاطرة الهموم، وهو أمرٌ ضروريٌّ طيلة الحياة. وبغضِّ النظر عن الحاجة التكوينيّة للإنسان – وهي حاجة الغريزة الجنسيّة – فإنَّ مسألة الإنجاب والأُبوّة هي من السعادات الكبيرة أيضاً في هذه الدنيا.
إذاً تُلاحظون أنّه، وبالنظر إلى كلا الطرفين، فإنّ الزواج أمرٌ مبارك، وظاهرة مفيدة جدّاً، وأهمّ فائدة تُرجى من الزواج هي تكوين الأُسرة، وأمّا بقيّة الأُمور فهي فرعيّة وتأتي في الدرجة الثانية، أو أنّها تُعزِّز تلك المسألة، مثل الإنجاب وإشباع الغرائز البشريّة، هذه كلُّها تقع في الدرجة الثانية. وتكوين الأُسرة هو الذي يقع في الدرجة الأولى"9.
"فقِوام العالم بالزواج، وانتقال الحضارات والثقافات، وثبات واستقلال المجتمعات سواء بلحاظٍ سياسيّ أم باللِّحاظات الأُخرى هو بالزواج أيضاً، وللزواج بركات أُخرى كثيرة"10.
فرصةٌ لاستعادة النشاط:
ويقول دام ظله:
"في الأسرة يستطيع الرجل والمرأة – اللذان يعيشان كزوجين – أنْ يستعيدا نشاطهما ويُعدّان نفسيهما لمواصلة الطريق. تعلمون أنّ الحياة كفاح. كلّ الحياة عبارة عن جهاد طويل الأمد، صراع مع العوامل الطبيعيّة والموانع الاجتماعيّة، وجهاد مع النفس، فالإنسان دائماً في حالة صراع، كما أنّ البدن في صراعٍ أيضاً مع العوامل الضّارّة. فعندما تكون القدرة على الصِّراع موجودة في الجسم فهذا يعني سلامة الجسم، ولا بُدَّ أنْ يكون هذا الصِّراع صحيحاً ومنطقيّاً، وهذا الصِّراع في الاتِّجاه وفي السلوك، وفي الوسائل، هذا الصِّراع يحتاج أحياناً إلى استراحة، وأحياناً إلى القوّة العضليّة، وفي هذه الرحلة وهذه الحركة تكون نقطة الإستراحة هي الأسرة بلا شكّ"11.
* من كتاب 101 نصيحة لسعادة الزوجين
هوامش
1- سورة الروم: 2.
2- خطبة العقد المؤرخة 24/1/1378 هـ.ش.
3- خطبة العقد المؤرخة 6/6/1381 هـ.ش.
4- خطبة العقد المؤرخة 6/6/1381 هـ.ش.
5- خطبة العقد المؤرخة 2/9/1378 هـ.ش.
6 سورة البقرة: 187
7- وسائل الشيعة، ج14، ص230.
8- جامع أحاديث الشيعة، ج20، ص38، حديث رقم 132.131.130.
9- خطبة العقد المؤرخة 9/12/1380 هـ.ش.
10- خطبة العقد المؤرخة 26/1/1377 هـ.ش.
11- خطبة العقد المؤرخة 8/3/1380 هـ.ش.