إنّ فيوضات السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام لا تنحصر بمجموعة صغيرة تُحسب كمجموعة محدودة في مقابل مجموعة الإنسانية...
إنّ هذا الخير الكثير الّذي أعطاه الله تعالى في سورة الكوثر المباركة كبشارة للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وقال ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾، حيث إنّ تأويله هو فاطمة الزهراء عليها السلام، في الحقيقة هو مجمع جميع الخيرات الّذي سوف ينزل يوماً بعد يوم من منبع الدين النبويّ على كلّ البشرية والخلائق. لقد سعى الكثيرون من أجل إخفائه وإنكاره ولكنّهم لم يتمكّنوا ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
يجب علينا أن نقرّب أنفسنا إلى مركز النّور هذا، وإنّ لازم وخاصية هذا التقرّب هو التنوّر. يجب علينا أن نصبح نورانيّين من خلال العمل، لا بواسطة المحبّة الفارغة، العمل الّذي تمليه علينا هذه المحبّة وتلك الولاية وذاك الإيمان ويطلبه منّا، بهذا العمل يجب أن نصبح من هذه العترة والمتعلّقين بها. ليس من السهل أبداً أن يصير المرء قنبراً في بيت عليّ عليه السلام، ليس من السهل أن يصبح الإنسان "سلمان منّا أهل البيت".
انظروا إلى هذه السيدة الجليلة في أيّ سنٍّ حازت على كلّ هذه الفضائل، في أيّ عمرٍ برزت فيها كلّ هذه التألّقات، في عمرٍ قصير لم يتجاوز 18 سنة، 20 سنة، 25 سنة بحسب اختلاف الروايات. وكلّ هذه الفضائل لا تحصل عبثاً، "امتحنك الله الّذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك لما امتحنك صابرة"، فإنّ الله تعالى قد امتحن زهراء الطهر، وهي المصطفاة من عباده. إنّ النظام الإلهيّ هو نظام يعتمد على الحساب والكتاب، وما يمنحنا إيّاه إنّما يكون محسوباً بدقّة. إنّه يعدّ كلّ هذا الإيثار والمعرفة والتضحية الخاصّة (وهي من عبيده الخواص)، في سبيل الأهداف الإلهيّة، لذلك جعلها مركز فيوضاته.
في رواية أن سطوع نور فاطمة الزهراء عليها السلام أدّى إلى أن تنبهر عيون الكروبيين من الملأ الأعلى، "زهر نورها لملائكة السماء". فماذا نستفيد نحن من هذا النور والسطوع؟ يجب علينا الاهتداء بهذا النجم الساطع إلى الله وإلى طريق العبودية الّذي هو الصراط المستقيم، الّذي سلكته فاطمة الزهراء عليها السلام، فوصلت إلى تلك المدارج والمقامات العالية. وإن جعل الله طينتها طينة متعالية، فلأنّه كان يعلم أنّها تخرج مرفوعة الرأس من الامتحان في عالم المادّة والناسوت "امتحنك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة". أمّا المقام المعنويّ لهذه السيّدة العظيمة، بالنسبة لمقامها الجهاديّ والثوريّ والاجتماعيّ، فهو أعلى بدرجات.
فاطمة الزهراء عليها السلام في الظاهر هي بصورة بشر، وامرأة، وامرأة شابّة أيضاً، ولكنها في المعنى هي حقيقةٌ عظيمة ونورٌ إلهيٌّ ساطع، وعبدٌ صالح، وإنسانٌ مميّز ومصطفى. هي شخصٌ قال فيه الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين عليه السلام: "يا عليّ أنت إمام أمّتي وخليفتي عليها من بعدي، وأنت قائد المؤمنين إلى الجنّة، وكأنّي أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيبٍ من نور عن يمينها سبعون ألف ملك، وعن يسارها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك تقود مؤمنات أمّتي إلى الجنّة"، أي أنّه يوم القيامة يقود أمير المؤمنين عليه السلام الرجال المؤمنين، وتقود فاطمة الزهراء عليها السلام النساء المؤمنات إلى الجنّة الإلهيّة. فهي عِدْل أمير المؤمنين عليه السلام.
هي الّتي إذا وقفت في محراب العبادة فإنّ آلاف الملائكة المقرّبين لله يخاطبونها ويسلّمون عليها ويهنّئونها ويقولون لها ما كانوا يقولون في السابق لمريم الطاهرة عليها السلام: "يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين"، هذا هو المقام المعنويّ لفاطمة الزهراء (عليها السلام)".
المصدر: من كلام الإمام الخامنئي في ذكرى شهادة السيدة الزهراء