وفي الثامن من آذار عام 1983، وقرابة الساعة الثانية بعد منتصف الليل، دهمت قوة إسرائيلية كبيرة المنزل الذي كان يبيت فيه، وهو منزل ابن خالته، فدخلته بوحشية وقسوة، وعاملت الشيخ بجفاء وغلظة، واقتادته مكبّلاً معصوب العينين إلى مقر المخابرات بالقرب من بلدة زبدين،
وهناك، قال له الضابط الإسرائيلي المدعو "أبو عامر": "ألم يكن من الأفضل أن نلتقي بغير هذا الشكل"،
فأجابه الشيخ (رضوان الله عليه): "بل هكذا أفضل بألف مرة"،
ثم اقتيد إلى معتقل أنصار، وبعدها إلى مركز المخابرات في مدينة صور، حيث التف حوله كبار الضباط الصهاينة، ليتعرفوا على ذلك الرجل الذي أرهبهم، وأفسد عليهم الأمور..
وفي الاعتقال والأسر، مارس الأعداء أساليب الإرهاب والإذلال والتعذيب النفسي، ليوهنوا من عزيمته، ويضعفوا إرادته، وحاولوا أن يساوموه على أمور كثيرة، لكنهم اصطدموا بعناده القوي، وإصراره الكبير..
سألوه في التحقيق: "ماذا يمثل الخميني بالنسبة إليكم"؟
فأجابهم: "هو إمامنا وقائدنا".
ــ "هل تقاتلوننا لو أمركم بذلك"؟
ــ "نعم، بكل تأكيد".
ثم قالوا له: "إن كلامك يثير الشباب ويدفعهم لقتالنا، فكيف سنحل هذه المشكلة"..
فرد عليهم: "هذه ليست مشكلتي، وإنما هي مشكلتكم أنتم، وعليكم حلّها".
ــ كيف سنحلّها؟
ــ برحيلكم عن أرضنا..
عرضوا عليه أن يغادر الجنوب وله ما يريد،
فقال لهم: "لن أغادر الجنوب، وسأبقى على أرضه".
طلبوا منه لقاء في منزله، أو في أي مكان آخر، فأبى ورفض..
حدثوه عن رأيه في علاقات مستقبلية مع "إسرائيل"،
فأجابهم: "نحن كعلماء نرفض أي شكل من أشكال العلاقة مع إسرائيل في الحاضر وفي المستقبل".
. وأسئلة أخرى كثيرة، ردّ عليها وأجاب عنها، وكانوا بعد كل ردّ وجواب يختنقون غيظاً وحقداً، ويظهرون خبثاً ولؤماً..
بعد اعتقال الشيخ مباشرة، خرج الناس إلى شوارع البلدة، وفكروا فيما يقومون به من عمل، ثم توجهوا إلى النادي الحسيني، وتداعوا إلى اعتصام مفتوح، حتى يتم إطلاق سراحه.. هذا الحدث، اعتبر يومها أول وأهم مظهر علني من مظاهر الرفض والمواجهة، فأهالي البلدة، وسائر أبناء القوى المجاورة لبّوا الدعوة إلى الاعتصام، وجاء الجميع يشارك إخوانه، أمّا الوفود القادمة من صيدا وبيروت فقد جاءت لتؤكد دعمها لهذه الخطوة الهامة في تاريخ العمل المقاومة، وقد بدأ الجنوب بكل مدنه وقراه يسير على هذا النهج، وسارعت وسائل الإعلام المحلية والعالمية، لتغطية الحدث الكبير فتحدثت عنه بإسهاب ونقلت وقائعه إلى مختلف شعوب العالم..
ولم تكد الأمور تبلغ الذروة، حتى أيقن العدو أن الأمر يسير بما لا يشتهي، وأن شرارة الرفض التي انطلقت من جبشيت، بدأت تتخطى حدود القرية لتصل إلى كل أرجاء الوطن، وأن اعتقاله للشيخ قد أمسى اعتقالاً لوجوده الغاصب، فاضطر وتحت وطأة الرفض الشعبي المتصاعد، أن يطلق سراحه، بعدما دامت مدة اعتقاله ما يقارب السبعة عشر يوماً، عجز العدو فيها عن تحقيق أيّة مكاسب. ويعود الشيخ إلى عرينه، فتتدفق الألوف لاستقباله، وابتهج الناس، فلقد ربحوا الجدولة الأولى من الصراع، وأرغموا العدو على التراجع..
المصدر: موقع المقاومة الإسلامية -بتصرف