المجتمع هو مجموعة عوائل، وكل عائلة تتكون من الزوج والزوجة والأولاد. والأفراد هم بمثابة اللبنات التي يقوم بها بناء الأسرة والمجتمع. وإذا تحلّى كل منهم بالتقوى فسوف نحصل على الأسرة الصالحة والمجتمع الفاضل، الأسرة التي يسودها الأمان بكل نواحيها وتتوفر فيها أفضل الأجواء لتكامل أبنائها ، وبالتالي سيكون لدينا مجتمع يمثل أفراده مصدر خير بعضهم للبعض الآخر، ويأمن بعضهم شرّ ومكائد البعض الآخر.
إن كرامة الفرد والأسرة والمجتمع إنما تكمن في التقوى، وليس هنالك شخص أو مجتمع أكرم على الله من المتقين. وما يتعرّض له الزوج والزوجة والآباء والأمّهات والأبناء وكافة أبناء المجتمع من إيذاء من قبل بعضهم البعض إنما هو نتيجة لانعدام التقوى. وحالة التوجّس التي يعيشها الناس في البيت أو المجتمع فيما بينهم إنما هي من العواقب الوخيمة لفقدان التقوى. وما يشاهد من خسائر فادحة في حياة البشر فذلك بفعل انعدام التقوى.
فالحري بكل من الزوج والزوجة التحلي بالتقوى من أجل تكوين الأسرة الصالحة، ومن الضروري أن يعملا على أن تأخذ هذه الدعوة الإلهية طريقها إلى نفوس أبنائهما ، بل عليهما تمهيد السبيل بغية تحقّق التقوى لديهم منذ نعومة أظفارهم.
عن السيدة زوجة الإمام الخميني (رض): " لم ألاحظ الإمام طوال 60 سنة عشتها معه يتوقع مني أي شيء (أي القيام بأبسط شيء له)، أجل كان توقعه منا أن نتورّع عن المعاصي ".
كما أنه من الضروري أيضاً أن يلتزم الزوجان بمجموعة من الضوابط الأخلاقية التي ورد المزيد من التأكيد عليها في القرآن الكريم والأحاديث بغية صيانة نفسيهما وضمان سعادة أولادهما. وإن تطبيق الضوابط الأخلاقية فيما بينهم يخلق أجواءً يسودها الصفاء والصدق والطهارة والسلامة والأمن والراحة والمودّة. ولمكارم الأخلاق وحسن الخلق من الأهمية والعظمة ما جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق "(1).
عن كريمة الإمام الخميني (رض) قولها: (كان الإمام يحترم زوجته كثيراً، ويده لم تسبق يدها في تناول الطعام طوال 60 عاماً ولم يطلب منها طوال هذه المدة أن تأتيه بالماء بل كان يقوم لتناوله بنفسه وإذا لم يستطع القيام بذلك لعلّة ما، قال: " ألا يوجد هنا ماء " فلم يكن يقول أبداً: أعطوني ماء، ولا يطلب ذلك حتى منا نحن بناته).
فمكارم الأخلاق ومحاسنها تمثّل تجلياً لصفات الحق تعالى وأخلاق الأنبياء والأئمة المعصومين (ع) ومنشأ خير وبركة لمن تحلّى بها . أما قبائح الأخلاق فهي تجسيد للألاعيب الشيطانية وسبب في تأزّم الحياة وتدهور العلاقات الاجتماعية ومدعاة لفقدان الأمن وإثارة التفرقة والتذمّر بين الناس وخراب الدنيا والآخرة.
________________________________________
1- بحار الأنوار، ج 16 ، ص 210
الأسرة ونظامها في الاسلام – حسين أنصاريان
قبسات من سيرة الإمام الخميني