فيقول الإمام زين العابدين عليه السلام :" فحقّ أمك عليك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً ، وأنّها وقتك بسمعها وبصرها ، ويدها ورجلها ، وشعرها وبشرها، وجميع جوارحها، مستبشرة بذلك فرحة ، موبلة (كثيرة عطاياها) ، محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمّها ، حتى دفعتها عنك يد القدرة ، وأخرجتك إلى الأرض ، فرضيت أن تشبع وتجوع هي ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتظمأ ، وتظلك وتضحى ، وتنعمك ببؤسها ، وتلذذك بالنوم بأرقها ، وكان بطنها لك وعاءً، وحجرها لك حواءً ، وثديها لك سقاءً ، ونفسها لك وقاءً، تباشر حرّ الدنيا وبردها لك دونك ، فتشكرها على قدر ذلك ، ولا تقدر عليه الاّ بعون الله وتوفيقه " .
وكأنّ الإمام -عليه السلام- يريد من الإنسان دائماً أن يتذكر ولا يسهو عن هذا الحقّ العظيم للأم، ويعرف ماذا صنعت من أجله، وكم تحملت من العذابات والمرارات في سبيل سعادته، وكم مرّت بمراحل ومصاعب تحملتها راضية مستبشرة، مذ كان جنيناً في أحشائها، وطوال فترة الحمل حتى جاء على قدر وأخرجته يد القدرة الالهية من عالم الرحم إلى عالم الدنيا .. فغذّته منها وروته من نفسها لا تهتمّ لضعف في بنيتها ولا لذبول في جسمها، يخفق قلبها مع كلّ خفقة لقلبه وترى آلامها وغمّها أنساً أمام راحته، ثمّ لم يكن همّها وهو طفل صغير الاّ أن تراه معافىً مسروراً، تخاف عليه من نسمة برد أو لفحة حر أو أي ضرر قد يصيبه، لا تغفل عنه لحظة واحدة، بل ليلها ونهارها إلى جانبه، تعطيه من حنانها ليأمن، ترضى أن يصيبها الجوع والبرد والعطش والبؤس والأرق لكي يشبع ويتدفأ ويروى ويُنعّم ويتلذذ بالنوم ...
فهذه الأم تجسدت فيها كلّ معاني الخير والعطاء والبذل والتضحية.
وبعد، فأيّ معروف يرقى إلى كلّ ما قدّمته، ومن يستطع أن يفيها ساعة من سهر أو تعب أو ثقل أو ألم وعناء، أو يقدّم لها الشكر على ذلك؛ لذلك يقول الإمام زين العابدين "ع" : " فتشكرها على قدر ذلك ولا تقدر عليه إلاّ بعون الله وتوفيقه ". فهذا الشكر يحتاج إلى تسديد وتأييد وتوفيق من العليّ القدير .
* بقلم الحاجّة هدى مرمر - خاص موقع الزكيّة