بقلم الشيخ محمد حجازي
حدد الدين الإسلامي منهجاً رائداً لكيفية معالجة الضغوطات النفسية التي يعاني منها الكثيرون في هذا العصر. ومن أبرز الطروحات التي قدّمها القرآن الكريم أنه ركز كثيراً على نظرية البلاء والابتلاء والفتنة حيث قال "عزّوجل" :" أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ "([1]) . وقال تعالى :" إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ "([2]). وغيرها من الآيات التي تحدّثت عن ضغوطات الحياة والفتنة. وبالعموم لا يوجد إنسان إلا وهو مشتمل على الاختبارات والامتحانات الصعبة . لذلك على الإنسان ألاّ يكترث إليها كثيراً طالما أنها جزء لا يتجزأ من الحياة الدنيا .
ولذلك ، فالانشغال بما يكرهه الإنسان من الخسارة لا يقدم شيئاً ولا يؤخر ، فالمقدّر من اللّه تعالى الذي لا يلام الإنسان على وقوعه لا يمكن دفعه . ومما ورد في هذا المقام أن شخصاً كان يتحدّث مع الإمام علي (ع) عن الأولاد . وقال له (ع) : "لا تجعلن أكثر شغلك بأهلك وولدك، فإن يكن أهلك وولدك أولياء اللّه فإنّ اللّه لا يضيع أولياءه ، وإن يكونوا أعداء اللّه فما همّك وشغلك بأعداء اللّه"([3]).
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، لا يوجد هناك بلاء دائم أو حالة استرخاء دائمة ، إنما تنقسم الحياة الدنيا إلى وجهين: إلى العسر واليسر وهما متلازمان، فإذا جاء العسر فإن اليسر يليه مباشرة . قال تعالى :" فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا "([4])
. ولهذا إذا وقع الإنسان في مشكلة ما، فمن الخطأ أن يقفل أبواب الفرج أمامه لأن اللّه تعالى أقرب إليه من حبل الوريد وهو يعلم ما يصلحه وما يضرّه. ولكن، ولضعف الإيمان وقلّة الاعتماد على اللّه تعالى نلاحظ أن بعض الناس حينما يواجهون مشكلة من المشاكل فإنه يدخل في حالة من الحزن واليأس والمقت. ولو عدنا الى أحاديث النبي (ص) نلاحظ أن النبي أمرنا بالتعوّذ من الحزن كما قال (ص) :" تعوّذوا باللّه من حبّ الحزن "([5]) .
والسر في هذا التعوّذ، هو حتى لا يسيطر على الإنسان حالة مرضية تمنعه من أداء مهامه. ومن الملاحظ أن القرآن الكريم قدّم طرائق تربوية للتكيّف مع البلاء وذلك بتبشير الصابرين ووعدهم بجنّات عدن ومقامات محمودة عند اللّه تعالى . قال اللّه تعالى :" وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ "([6]).
فالصبر هو دواء الحياة وكما قال الامام (ع) : " من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع "([7]) .
وفي الختام ،
أنقل هذه الرواية المروية عن الامام الصادق (ع) في كيفية معالجة الهموم وضغوط الحياة ، وبنظرنا هي من أحسن الروايات لمعالجة الضغوطات النفسيّة . قال (ع):
النُشْرة - أي ما يزيل الهمّ والغمّ - في عشرة أشياء :
1- المشي
2- السواك
3- الطعام والشراب
4- والنظر الى الوجه الحسن
5- والارتماس في الماء
6- الزواج
7- محادثة الرجال
8- غسل الرأس بالخطمي
9- النظر الى الخضرة
10- ركوب الخيل ([8])
. إن هذه الأشياء جديرة بالتأمل والتدبر لكي يخرج الإنسان من ضغوطات الحياة . وقال (ص) : "روّحوا عن أنفسكم بين ساعة وساعة" . وقال الإمام الصادق(ع) لأحد أصحابه:" إنكم تطلبون المستحيل . قال المستمع: وكيف نطلب المستحيل ؟ قال: إنكم تطلبون الراحة في الدنيا ، وقد جعلها اللّه في الآخرة" .
الهوامش :
________________________________________
[1] العنكبوت :
2 [2] - التغابن : 15
. [3] - نهج البلاغة ، ج 4، ص 82.
[4] - الشرح : 5- 6
[5] - بحار الأنوار ، المجلسي ، ج70 ،ص 158 .
[6] البقرة : 155
[7] نهج البلاغة ، ج 4 ،ص 43 .
[8] بحار الأنوار ، الحر العاملي ،ج 73 ، ص 322 .