حرصت الشريعة الإسلامية بتوجيهاتها الصائبة وتعليماتها السديدة على غرس الحبّ والمودّة في النفوس ليعيش بنو البشر حياة كلها رغد وسرور، وتحفّ بها الأفراح ويغمرها الإخاء والوفاء. وحذّرت وأنذرت الناس من كُلّ ما يبعث في النفوس من الضغائن والبغضاء، لما في ذلك من ضرر وخطر على المجتمع والفرد, فنهت عن التخلق بكلّ الصفات التي تقوض المودة وتقطع الصلة الروحية والرابطة المقدسة، ومن هذه الصفات:
1- التملّق: وهو الجرثومة الفتاكة التي تنخر في هيكل المودّة, لذلك أمرنا الرسول الأعظم (ص) بالإخلاص في المودّة وحذّرنا من التملّق وأنذرنا بعواقبه الوخيمة, قال رسول الله (ص): (إذا الناس أظهروا العلم,وضيعوا العمل,وتحابوا بالألسن,وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا بالأرحام لعنهم الله عزّ وجلّ وأصمّهم، وأعمى أبصارهم( وقال الإمام العسكري (ع) :(بئس العبد عبد يكون ذا وجهين، وذا لسانين، يطري أخاه شاهداً ويأكله غائباَ, إنْ أُعطي حسده، وإنْ ابتلى خذله).
2- الخيانة: وهي من أفظع الجرائم وأقبح الرذائل، تكشف عن خبث السريرة، وانحطاط الأخلاق, لذلك حذروا أهل بيت العصمة الملأ الإسلامي من التلوث بهذه الصفة الرذيلة, قال أمير المؤمنين (ع) : (المؤمن لا يعير أخاه ولا يخونه ولا يتهمه ولا يخذله ولا يتبرأ منه). ومصاديق الخيانة عديدة منها: إذا استشارك أخوك فأشرت عليه برأي تعلم أنّ فيه ضرراً عليه فقد خنت, ومنها: أن تحفظ على أخيك بعض زلاته لتفضحه بين الناس, وهذه الناحية إلى الكفر أقرب لما روي عن نبي الرحمة :(أدنى الكفر أن يسمع الرجل من أخيه كلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها أولئك لا خلاق لهم), ومنها: أن يستعين بك أخوك في حاجة فلا تبالغ في قضائها بكلّ جهدك, قال الإمام الصادق (ع) (أيما رجل من أصحابنا استعان به رجل من إخوانه في حاجة فلم يبالغ فيها بكلّ جهده فقد خان الله ورسوله والمؤمنين).
3- الجدل والمراء: وهما مكدران للصفاء بين الناس، ومقوضان لدعائم الأخوة، ولو كان المرائي والمجادل محقاً في جدله فإنّ من عاشر الناس ووقف على شؤونهم يلمس ما للمجادلة والمخاصمة من مضار وخيمة، ونتائج سيئة، توقع الضرر العظيم، وتورث في القلوب العداوة والبغضاء. قال الرسول الأعظم (ص): (إياكم والمراء والخصومة فإنّهما يمرضان القلب على الإخوان، وينبت عليهما النفاق).
4- التكلف: وهو الداء العضال لقطيعة الناس والتدابر, قال رسول الله (ص): (شرّ الأصدقاء من تكلف له)، ويعرف المتكلف بالعلامات التي ذكرها رسول الله (ص)بقوله: (إنّ للمتكلف من الرجال ثلاث علامات: يتملق إذا شهد، ويغتاب إذا غاب, ويشمت بالمصيبة).
5- الشماتة: وهي أن يفرح بما يقع على أخيه من بلية ومصيبة، أو يبدي بأنّه مستحقّ لمثل هذا السوء فعله وعمله, والشماتة لا تكون إلاّ من العدوّ المستتر الذي من الصعب على الإنسان أن يحذره ويتقي شرّه وهو أصعب على الإنسان من العدو الظاهر، ولذلك حذّرنا أهل البيت (ع) من التخلق بهذا الخلق الذميم,وأمرونا أن ننطوي على قلب سليم, قال الإمام الصادق (ع): (من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتى يفتتن).
6- الأنانية: وهي أن يهتمّ بنفسه دون غيره,ولا يفكر في مصلحة سواه, فنفسه هي المطمح الأسمى في حياته, ومصلحته هي الغاية القصوى في دنياه وهي صفة بغيضة يستنكرها كُلّ إنسان, ولكن قل ما يخلو منها إنسان, ولقد كافح الإسلام الأنانية مكافحة لا هوادة فيها حيث بنى مبادئه السامية وتعاليمه العالية على المصالح العامة والمنافع المتبادلة وركّز أسسه على القاعدة الكبرى التي صدع بها صاحب الرسالة (ص) بقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه).
7. النسيان: وهو أكبر مقوّض لكيان المودّة مفرّق للإخاء, لذلك أمرنا أهل بيت العصمة (ع) بأن يتعاهد الإنسان أخيه ولا ينساه، فالنسيان يسبب التباعد، ويقطع علائق المودّة والإخاء، كما قال أبو الأئمة وسيد الأمة علي بن أبي طالب (ع): (وترك التعاهد للصديق داعية للقطعية). وسئل (ع) عن المروءة فقال: (إطعام الطعام, وتعاهد الأخوان,وكفّ الأذى عن الجيران).
8- التفريق: هو العامل الرئيسي في أحداث الضغائن في القلوب, فلابدّ أن يساوي الإنسان في المظاهر الودّية بين الناس من حيث الإقبال عليهم، والترحيب بهم والتحدّث معهم، والإصغاء إلى كلامهم، وما شابه ذلك من مظاهر الودّ فيما لو كانوا مجتمعين. والى هذا أشار الإمام الصادق (ع) (إذا كان ثلاثة في بيت فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإنّ ذلك مما يغمه)
9- الإيذاء: وهو أن يمسّ الإنسان أخاه بسوء وأذى، فإنّ كثيراً من الناس من يستسيغون إيذاء إخوانهم بأيديهم، أو بألسنتهم، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً, فترى بعضهم يوجه أقسى الكلمات وأقبحها أو أشدّ الضربات المؤلمة لصاحبه, فإذا استنكر صاحبه منه ذلك اعتذر بأنّه يمزح ويمرح وقد نهانا الرسول الأعظم وأهل بيته عن الإيذاء والاعتداء وعدّوا ذلك خرقاً لحقوق المودّة وانتهاكاً لحرمتها فإنّ المودّة يشترط فيها خلوها من الإيذاء, قال رسول الله (ص): (لا يحل للمسلم أن يشير إلى أخيه بنظرة تؤذيه).
10- الهجران: هو قطع حبل المودّة ونقض عقد الأخوة وفصم عرى الصداقة وهجران الإنسان لأخيه عمل يستنكره العقل السليم ويأباه الضمير الحيّ. قال رسول الله (ص) في وصيته لأبي ذر (رض): (يا أبا ذر إياك وهجران أخيك، فإنّ العمل لا يتقبل مع الهجران، يا أبا ذر أنهاك عن الهجران، وإن كنت لابدّ فاعلاً فلا تهجره فوق ثلاثة أيام، فمن مات فيها مهاجراً لأخيه كانت النار أولى به). كما قال رسول الله (ص): (هجر الرجل أخاه سنة كسفك دمه). وفي الختام نسأل الله تعالى بجاه النبي محمد (ص) وآله الأطهار (ع) أن يجنبنا مقوّضات المودّة ويحبب إلينا علائق الأخوة إنّه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر:الشيخ عباس كاشف الغطاء