عقد لقاء مع نائب رئيس المجلس التنفيذي سماحة الشيخ علي دعموش لمناسبة ولادة أمير المؤمنين "ع" تحت عنوان: (الامام علي "ع" وحقوق الانسان)
وذلك في مركز وحدة الهيئات النسائية حضره جمع من الأخوات (حوالي 20 أختاً) تطرق فيه الى ما يلي:
في سيرة الإمام علي "ع" وفي تجربته السياسية (السلطة،الحكم،...) هناك العديد من الوقائع التي تدلّ على شدة رعايته لحقوق الانسان، بحيث نستطيع القول أنه سبق شرعة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الانسان في كل البنود الذي تضمنها هذا الاعلان، أيضاً عندما ندقق بكلمات أمير المؤمنين"ع" لا نجد مصطلح حقوق الانسان،
هذا المصطلح لم يكن موجوداً في السابق حتى بالفكر الغربي ، وأول ظهور له حصل خلال أحداث الثورة الفرنسية، حيث ظهر هذا المصطلح في العصر الحديث، وكان المقصود منه مواجهة السلطة التي كانت قائمة آنذاك، والتي كانت تقمع الحريات ،وتخدش الكرامات ،وتمنع حرية الرأي والمعتقد وما الى ذلك. عندما نأتي الى الامام علي "ع" أهم مبدأ من مبادئ حقوق الانسان هو كرامة الانسان أو الكرامة الانسانية، وهي حقيقة أشار اليها القرآن الكريم (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) ،
فالقرآن الكريم فضّل الانسان وكرمه وفضّله على غيره من الكائنات ومنحه الكرامة الانسانية وأعطاه المكانة العالية الذي يستطيع من خلالها ان يمارس حريته لأجل هذه المكانة، والله أمر الملائكة بالسجود للإنسان ( واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا). أكد أمير المؤمنين "ع" على مبدأ الكرامة الانسانية، واهتم بحماية هذا المبدأ والدفاع عنه، وعن حقوق الانسان، ونبّه ولاته الذين كانوا يحكمون الولايات الى هذا المبدأ، مبدأ الكرامة، لذلك نلاحظ بعهده الى مالك الأشتر يقول: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ًضاريا تغتنم أكلهم؛ فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه)، كلها وصايا لمالك وغير مالك للحفاظ على مبدأ الكرامة الانسانية، وعلى حرياته وحقوقه.
لم يقتصر الامام علي"ع" في الاهتمام بحقوق الانسان بالجانب النظري فقط، بل كان يمارس ذلك عملياً ، من خلال تعاطيه وأسلوبه، حتى مع خصومه كان يمارس هذا المبدأ، وكان يعمل على ارساء ثقافة بين الناس تقوم على احترام بعضهم لبعضهم الآخر. . الامام علي"ع" أيضاً كان يرى الحفاظ على كرامة الانسان حتى بعد مماته وليس فقط في حياته، حتى لو كان عدواً، لذلك نجده أنه نهى عن المثلى بقاتله ابن ملجم الذي ارتكب جريمة قتل أمير المؤمنين "ع" ، رفض التمثيل بجثته فكان يقول: ( ولا يمثل بالرجل فإنّي سمعت رسول الله "ص" يقول: اياكم والمثلى ولو بالكلب العقور).
اذاً الأمير يعتبر مبدأ الكرامة الانسانية هو من أهم المبادئ التي يجب ان بحافظ عليها الانسان، وهي من أهم المبادئ والأسس الفلسفية التي تقوم عليها حقوق الانسان وتتفرع على أساسها الحقوق ، ونستطيع القول أن مبدأ الكرامة الانسانية مفتاح الحقوق الانسانية ومنها تتفرع الحقوق . من الحقوق ثلاثة حقوق مهمة :
1- حق الحياة
2- حق المساواة
3- حق الحرية هذه الحقوق هي الحقوق الأساسية للانسان التي يجب مراعاتها والتي تتفرع منها حقوق أخرى لأنه هناك حقوق شخصية واجتماعية وسياسية،وسأركز على الحقوق الثلاثة في فكر وممارسة الامام علي"ع".
أولاً- حق الحياة:
ماذا يعني حق الحياة؟ الله سبحانه وتعالى كرّم الانسان وطلب الحفاظ على هذا المبدأ يعني ان للانسان حق في العيش الكريم ولا يجوز الاعتداء عليه وعلى حياته ولا يجوز انهاء حياته وعيشه من قبل أي أحد، قال تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً...)، من يعتدي على حياة الناس كأنه انهى حياة الناس وارتكب فساداً كبيراً، هذا حق من حقوق الانسان ، وفي قول الامام علي "ع" لمالك الأشتر: (وإياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شئ أدعى لنقمة، ولا أعظم لتبعة ولا أحرى لزوال نعمة، وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق).
ثانياً: حق المساواة: المساواة ما هي؟
أن يتساوى الناس فيما بينهم في مختلف الحقوق. (إنّما المؤمنون اخوة) ، أو ( إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم) ، لا يوجد فرق لا بالعرق ولا باللون ولا بالجنس ولا بأي خصوصية، إنّما الميزة الوحيدة التي يفضّل بها الناس على بعض هي التقوى، الذي يمتلك شخصية التقوى مفضل على غيره.هذا مجال التفاضل الوحيد في الدين أما ما عدا ذلك فهم متساوون. أمير المؤمنين"ع" كان من أشدّ الناس تطبيقاً لمبدا المساواة، أشد الحكام في عدم التفاضل والتمييز الناس بعضهم عن البعض الآخر ، اذا دققنا في فترة حكمه يوجد ثلاثة مجالات تشدد في مبدأ المساواة:
أ- المساواة في العطاء من بيت المال: لم يكن يميز بين الناس. السياسة المعتمدة لدى الخلفاء الذين سبقوه هي سياسة التفضيل في العطاء يميزون بين المهاجرين والأنصار. فالمهاجرون يعطون أكثر من الأنصار، وكانوا يفرّقون بين السابقين للاسلام وغير السابقين، يخصصون السابقين أكثر. قريش مفضلة على غيرها من القبائل هذه السياسة مخترعة ليست لها أصل في الاسلام وفي سيرة النبي "ص" وسلوكه.
ب-المساواة أمام القانون: الجميع سواسية في شرع الله تعالى. في القانون الالهي الكل متساوون :الغني والفقير، الكبير والصغير،الوجيه والانسان العادي، فالقانون يجري على الجميع، لذلك الى أحد عماله عندما بلغه أنّه أخذ شيئاً من بيت المال وزعم أنّه من حقه فكتب اليه وقال: (والله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة ولا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما ).
ج- المساواة أمام القضاء: في القضاء عادة يصير هناك محسوبيات ورشاوي مما يضيع حقوق الناس ، إذا هذا مقرب أو من عشيرتنا فنعطيه الحق ويحرم غيره عندها يضيع الحق .
ثالثاً : حق الحرية : الحرية تعني بلحاظها الحقوقي أن الانسان له نوع من الاستقلال الذاتي في مختلف مراحل الحياة، الذي يستطيع ان يمارس من خلالها ما يشاء ويعبر بما يشاء ضمن الضوابط العامة، وله حرية المعتقد يقنع بالعقيدة التي يريد. لذلك بشأن حرية المعتقد ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) يبقى على الناس أن تختار، هذا البيان حجة على الناس . وبالتالي إذا اختاروا الغي عن الرشد هم المسؤولون واذا اختاروا الرشد هذا هو المطلوب ولكن من دون فرض أو إكراه، لذلك لم يسجل التاريخ أن النبي"ص" فرض على أحد بالقوة أن يدخل في الدين ويعتنق الاسلام، وكل الحروب التي خاضها والتي كانت حروب دفاعية .
حرية المعتقد يعني ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )، (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميع جمبعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )، حتى في قبال السلطة، وعلى الحاكم أن يتمتع بسعة الصدر .
في ثقافة أمير المؤمنين لا يقمع الناس إذا عبروا عن رأيهم ، وعليه أن يتجاوز عن هفوات الناس ويعفو ويصفح عنهم لذلك يقول أمير المؤمنين ( آلة الرئاسة سعة الصدر ) هذا شيء أساسي ( أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ) ، لذلك يوصي الإمام "ع" مالك الأشتر أن يستمع لكلام الآخرين، يعطيهم الحرية ويأمره أن يخصص مجلساً خاصاً يفتحه لكل الناس وهو والي على مصر، ومصر مترامية الأطراف ومكتظة في ذلك الحين وليست بقعة جغرافية بسيطة .
كان يخصص وقته لإستقبال الناس ويسمع للناس انتقاداتهم وأفكارهم بعيداً عن أي ضغوطات يمارسها عليهم من اجل أن يخافوا أو يقلقوا.
(واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك، حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع). اليوم اذا تطلعنا بعالمنا، أين هو عالمنا من حقوق الإنسان التي أقرها الإمام علي "ع" . أمريكا التي تدعي الدفاع عن حقوق الانسان هي اكثر من تعتدي على حياة الناس وتقتلهم وتمارس الإرهاب في حق الشعوب والدول. عمليات قتل المدنيين بصورة غير مشروعة تمارسها الولايات المتحدة الأميركية بسلاحها وامكاناتها وقدراتها، ماذا فعلت بهيروشيما وناكازاكي وفي فيتنام ، ماذا فعلت أمريكا بالانسان في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وفلسطين وفي كثير من الدول.
أين دعاة حقوق الانسان مما يجري على الشعب اليمني من قتل يومي لنسائه وشيوخه واطفاله وتدمير بناه التحتية وتدمير هذا البلد على اهله. أين دعاة حقوق الانسان مما يجري في فلسطين على أيدي الصهاينة المحتلين بشكل يومي.، الاعتقال التعسفي في غوانتنامو وانتهاك أمريكا لحرية الانسان وانتهاك القانون الدولي وشرعة حقوق الانسان معروف. حتى بداخل امريكا هناك انتهاكات صارخة لحقوق الانسان من أبرز مظاهرها:
- التمييز العنصري بين البيض والسود وبين السكان الأصليين والذين جاؤوا من الشتات، التمييز العنصري بمسألة كورونا ، كانت الإدارة الأميركية تميز بين البيض والسود وتعطي إمتيازات للبيض ولا تعطيها للسود.
-التمييز بالوظائف وبالأمن الاقتصادي والمعيشي .
- سياسة الإستخدام المفرط للقوة، نرى كيف الشرطة الأميركية تمارس القوة المميتة بحق المخالفين وخاصة بحق السود ، حتى الذي كان يموت كان الشرطي يدوس عليه والضحية يقول : (لا استطيع أن اتنفس )، وخرجت على أثر ذلك الاحتجاجات والمظاهرات. هذا الذي رأيناه من قمع التظاهرات أشعرنا أننا في بلد من بلدان العالم الثالث من حيث ممارسة القمع بحق الشعب.
منظمة العفو وثقت حوادث العنف غير المشروع من الشرطة الأميركية في اربعين ولاية امريكية من جملتها العاصمة واشنطن.
-انتهاك حقوق اللاجئين وطردهم من قبل السلطات الأميركية ، طردت اكثر من ثلاثمائة وثلاثين الف طالب لجوء ومهاجر سنة 2020.تعرض هؤلاء لأمراض وتعذيب وبعضهم تعرض للموت.
-انتهاك حقوق النساء خاصة النساء من السكان الأصليين ، معدلات الاغتصاب والعنف الجسدي الذي تتعرض له النساء أصلاً غير متناسبة مع ما يتعرض له غيرهن من السكان لأنها معدلات مرتفعة.
- التعذيب الذي يحصل في السجون .
- الاحتجاز السري للمعتقلين من قبل المخابرات .
- الاعدامات التي تحصل في الولايات المتحدة لذلك يقال ان الحكومة الفدرالية سنة 2020 أعدمت ما يفوق ثلاثة اضعاف ما تم خلال أربعين سنة في الولايات المتحدة.
فأمريكا هي فوق القانون الدولي وتتهرب من مطالبات الأمم المتحدة وحقوق الانسان وتتحفظ على السجلات ولا تمنحها للمنظمات الانسانية والدولية على رغم مطالبة منظمة العفو الدولية ، قهي تمنع ولا تعطي اي تقرير لأنها تمارس القمع السري بحيث اذا انكشفت المعطيات تصبح فضيحة كبرى .
الآن امريكا شريكة بمآسي لبنان منذ تأسيسه الى الآن في كل الحروب وسفك دماء اللبنانيين وهي أحد من أهم أسباب الإنهيار الإقتصادي والمالي والمعيشي والمالي ، وتقديم مصلحة اسرائيل ، ومنع لبنان من الاستفادة من ثرواته الطبيعية وحماية لبنان من الأطماع الصهيوينة. لا يهم أمريكا ماذا يصير بالناس . هناك مجموعة من الأهداف السياسية والمصالح الأميركية التي تسعى الى تحقيقها في لبنان. آخرهمها ما يصيب اللبنانيين بالكهرباء والماء ...هناك مجموعة متعلقة بالمقاومة ومتعلقة بالكيان الصهيوني وبالنفط والغاز، هناك شيء متعلق بفلسطين ومنع عودة اللاجئين وتوطينهم في لبنان تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها في لبنان من اجل مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني ، لذلك يجب ان يعرف اللبنانيون ان الادارة الأميركية لا تضمر لهم الخير، كما منعت دولاً من
مساعدة لبنان. لو كانت امريكا حريصة على الشعب اللبناني لما سعت الى تقديم المصالح الاسرائيلية على الحقوق اللبنانية فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية خاصة. نحن يجب ان نعتمد على أنفسنا، ولا نراهن على أمريكا أو الخارج في حل مشاكلنا وأزماتنا ، وذلك بالتعاون مع الدول الصديقة والشقيقة التي لا تملي شروطها على لبنان.