التضحية والإيثار فضيلتان لا تُمنحان لكلّ فرد، وإنّ الشكّ، والظنّ، والحدّة، والانتقام، صفات تتمتّع بها الوحوش كما بعض الناس. ولكي يتخلّص الإنسان من هذه الصفات الوحشيّة، ويصل إلى حالة الإيثار والتضحية وباقي الصفات الحميدة، عليه أن ينتخب أفضل مكان لهذا الأمر، ألا وهو الأسرة.
•التربية السليمة:
اجتناب الضرب إنّ التربية السليمة تتنكّر للضرب في أصلها، وإنّ قاعدة تسلّط القويّ على الضعيف لا يمكن أن تسود إلّا في شرعة الغاب، وقد يستخدمها بعضهم في المحيط العائليّ، فيضرب زوجته وأبناءه، باعتباره قويّاً وهم ضعفاء، حاله كحال الحيوانات التي إذا أردت أن تختبر قوّتها، فما عليك إلّا أن تضع أمامها مقداراً من العلف لترى بنفسك كيف يدفع القويّ الضعيفَ ليستأثر وحده بذلك العلف.
•كسَعَة صدر الزهراء عليها السلام من هو ذلك الشخص الذي يستطيع أن يضحّي ويتحمّل في سبيل قيام جيل صالح ومفيد؟
ومن هو ذلك الفرد الذي يستطيع أن يبتعد عن النظرة الضيقة لتحلّ محلّها سَعَة الصدر؟
إنّ السيّدة التي تؤثر مصلحة أسرتها على مصلحتها وراحتها، ولا تُخرج ما بينها وبين زوجها من أسرار إلى خارج بيتها، فقد بلغت مقام التضحية والإيثار وسَعَة الصدر، ولا بدّ من أن تُحشر مع الزهراء البتول عليها السلام؛ لأنّ الزهراء عليها السلام كانت معروفة بسَعَة الصدر، وبالتضحية، والإيثار إلى الحدّ الذي جعلها تتصدّق بإفطارها لثلاثة أيّام متتالية هي وبعلها وأبناؤها حتّى أنزل الله فيهم الآية المباركة: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ (الإنسان: 8).
•الرمّانة اليتيمة
إنّ تلك الصابرة على الأذى والبلاء والشدّة، وذلك الرجل الذي يتحمّل المصائب وملمّات الدهر، ويصبر على ما يجري في داره، بل ويضحّي من أجل أسرته، سيحشرهما الباري تعالى مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام؛ لأنّهما يؤثران على نفسيهما كلّ شيء من أجل الفوز برضى الله تبارك وتعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ (الحشر: 9).
ورد في شأن هذه الآية روايات متعدّدة، منها: إنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام اشترى رمّانة واحدة، وأراد أن يأتي بها إلى الزهراء عليها السلام، والتي كانت طريحة الفراش في بيتها، وفي الطريق إلى المنزل، عرّج أمير المؤمنين عليه السلام على بيت أحد الفقراء ليسأل عن أحواله فرآه مريضاً، فقال له عليه السلام أن يطلب منه شيئاً يأتي به إليه، فأجاب: لا بأس برمّانة واحدة -وكان أعمى- عندها أطعمه الإمام عليّ عليه السلام تلك الرمّانة التي كان يريد الذهاب بها إلى الزهراء عليها السلام.
والجدير بالذكر أنّه لم يكن فصل وأوان الرمّان، ولم يكن في السوق إلّا تلك الرمّانة اليتيمة.
•مدرستان في البيت
بناءً على ما تقدّم كلّه، إنّ البيت يمكن أن يكون مدرسة، وأيّ مدرسة؟ مدرسة تقوم بعملين مهمّين، الأوّل: قلع الصفات الرذيلة، والثاني: غرس الصفات النبيلة. فيا أيّتها السيّدة، اصبري على غضب زوجك وسوء خُلقه كي تنالي "مَلَكة" الصبر، وإذا ما حصل ذلك، كان لك عند الله أفضل من كلّ ما في الدنيا وكلّ ما في الآخرة.
وأنت كذلك أيّها السيّد، ترفّع عن التفاهات، ولا تجزع أو تفزع أو تغضب بسرعة، واعلم أنّك لو تمكّنت من امتلاك "الصبر"، فستكون قالعاً لجذور الرذيلة، وغارساً لشجرة الفضيلة، وهذا خيرٌ لك من الحظوة بالجنّة لو كنت تعلم بذلك: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ (البقرة: 157).
إنّ هذه الآية المباركة نزلت في حقّ الصابرين الملتزمين المؤمنين، والذين ابتلوا بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس، لكنّهم تمكّنوا من الحفاظ على دينهم بما لديهم من صبر، يريدون بذلك الفوز برضى الله، وعندما فازوا صلّى الباري عليهم، وأنزل عليهم رحمةً منه. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "بالصبر يتوقّع الفرج، ومن يُدمِنْ قرع الباب يَلِج"(1).
•من أفضل الأعمال
إنّ قيام المرأة في قلب الليل لتُرضع طفلها، أو لهدهدته حتّى ينام، أو قيام تلك السيّدة في منتصف الليل من أجل مداراة زوجها، أو قيام زوجها من أجل مداراتها هي من أفضل الأعمال المستحبّة التي ادّخر الله لها ثواباً عظيماً، بل يفوق الكثير من الأعمال الأخرى المستحبّة.
•طاعة ومساعدة
أيّتها السيّدة، احذري من أن يخالط عملَك عملٌ لا يرضى الله به، واحذري من أن تعصي الله من خلال عدم التزامك بما يقوله لك زوجك، واعلمي أنّ طاعة الزوج واجبة ولازمة.
وأنت أيّها الرجل، ينبغي لك أن تعلم أن مساعدة الزوجة في الأمور المنزليّة فيها الثواب والأجر الجزيلان. جاء في الأخبار أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل إلى بيت عليّ عليه السلام فرآه ينظّف عدساً، فأخبره صلى الله عليه وآله وسلم أنّ مساعدة الزوجة فيها الثواب الكثير، ثمّ قال وقال وقال حتّى بلغ بذلك ثواب الشهيد. وجاء في الخبر أنّ المرأة التي تطهو وتنظّف وترتّب الأمور في بيتها، لها مثل ثواب الشهيد، ولا تظنّ امرأة أنّ الثواب يُقتصر على الذهاب إلى مكّة فقط.
عن الإمام الباقر محمّد بن عليّ عليهما السلام: "... ولأنْ أعول أهل بيت من المسلمين، أُشبع جوعتهم، وأكسو عريهم، وأكفّ وجوههم عن الناس، أحبّ إليَّ من أن أحجّ حجَّة، وحجّة، وحجّة، حتى انتهى إلى عشر ومثلها، ومثلها، ومثلها، حتّى انتهى إلى سبعين"(2).
•جهاد في سبيل الله
إنّ الذي يكدّ على عياله، ويسعى جاهداً من أجل جلب لقمة العيش إليهم، هو كالمجاهد في سبيل الله تبارك وتعالى: "الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله"(3).
وإنّ من تبسّم في وجه زوجته، وشكرها على ما تقوم به من أعمال يوميّة في المنزل، أضحت له كحور العين في جمالها وخصالها.
ولا تظنّوا أنّ حور العين كنساء الدنيا، كلّا، إنهنّ أسمى وأرفع من ذلك كثيراً، وإنّ الواحدة منهنّ لو خرجت إلى الدنيا، لما احتاج الناس بوجودها إلى شمس أو قمر. وكذا الأمر بالنسبة إلى الزوجة التي تستقبل زوجها بوجه حسن، وثغر باسم، وبكلام مؤدّب ولطيف ينسيه التعب الذي كان يعاني منه قبل لحظات.
جاء في الخبر أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم رأى في ليلة المعراج أنّ بعض الملائكة في الجنّة جلسوا جانباً من دون عمل، وبعضهم يعمل قليلاً، ثمّ يركن جانباً، فسأل صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل عليه السلام عن ذلك، فأجاب إنّهم ينتظرون قدوم موادّ البناء من الحياة الدنيا(4)، فالعمل الصالح، والإنفاق، والتصدّق وما إلى ذلك، يمكن أن تُحتسب موادّ بناء، تُستعمل في بناء القصور والدور والمساكن التي تُعدّ للخيّرين المحسنين.
(*) من كتاب الأخلاق البيتيّة، الفصل الرابع –
1.بحار الأنوار، المجلسيّ، ج68، ص96.
2.هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة عليهم السلام، الحرّ العامليّ، ج4، ص111.
3.الوافي، الفيض الكاشانيّ، ج17، ص97.
4.انظر: الأمالي، الطوسيّ، ص474.