نفيسة بنت الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
وهي من ربّات العبادة والصلاح والزهد والورع ، ولدت بمكة سنة 145هـ ونشأت بالمدينة ، ودخلت مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق ، وقيل : مع أبيها الحسن الذي عُيّن والياً على مصر من قبل أبي جعفر المنصور ، فأقام بالولاية خمس سنين ، ثم غضب عليه المنصور فعزله واستصفى كلّ شيء له وحبسه ببغداد ، فلم يزل محبوساً حتى مات المنصور وولي المهدي فأخرجه من حبسه وردّ عليه كل شيء ذهب له .
حفظت نفيسة القرآن الكريم وتفسيره ، ويروى أنّ الشافعي لمّا دخل مصر حضر إليها وسمع عليها الحديث .
كانت كثيرة البكاء ، تديم قيام الليل وصيام النهار ، ولا تأكل إلاّ في كل ثلاث ليال أكلة واحدة ، ولا تأكل من غير زوجها شيئاً . حجّت ثلاثين حجّة ، وكانت تبكي بكاءً شديداً وتتعلّق بأستار الكعبة وتقول : إلهي وسيدي ومولاي متّعني وفرّحني برضاك عنّي .
وقالت زينب بنت يحيى المتوّج : خدمتُ عمتي نفيسة أربعين سنة ، فما رأيتها نامت الليل ولا أفطرت بنهار ، فقلت لها : أما ترفقين بنفسك ؟ فقالت : كيف أرفق بنفسي وقدّامي عقبات لا يقطعها الفائزون .
وكان بشر بن الحارث الحافي يزورها ، فمرض بشر مرّة فعادته نفيسة ،
فبينا هي عنده إذ دخل أحمد بن حنبل يعوده كذلك ، فنظر إلى نفيسة فقال لبشر : من هذه ؟ فقال له بشر : هذه نفيسة ، بلغها مرضي فجاءت تعودني . فقال أحمد بن حنبل : فاسألها تدعو لنا . فقال لها بشر : ادع لنا الله . فقالت : اللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار فأجرهما يا أرحم الراحمين .
وكانت نفيسة ذات مال وإحسان إلى المرضى والزمنى والجذماء ، ولمّا ظلم أحمد بن طولون قبل أن يعدل ، استغاث الناس من ظلمه وتوجهوا إلى السيّدة نفيسة يشكونه إليها ، فقالت لهم : متى يركب ؟ قالوا : في غدٍ ، فكتبت رقعة ووقفت بها في طريقه وقالت : يا أحمد بن طولون ، فلمّا رآها عرفها فترجّل عن فرسه وأخذ منها الرقعة وقرأها فإذا فيها : ملكتم فأسرتم ، وقدرتم فقهرتم ، وخلوتم فعسفتم ، وردّت إليكم الأرزاق فقطعتم ، هذا وقد علمتم أنّ سهام الأسحار نافذة غير مخطئة لا سيما من قلوب أوجعتموها ، وأكباد جوّعتموها ، وأجساد عريتموها ، فحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم ،
اعملوا ما شئتم فإنّا صابرون ، وجوروا فإنّا بالله مستجيرون ، وأظلموا فإنّا لله متظلّمون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، فعدل لوقته . ومرضت نفيسة بعد أن قامت بمصر سبع سنين ، فكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتاباً ، وحفرت قبرها بيدها في بيتها ، فكانت تنزل فيه وتصلّي كثيراً ،
فقرأت فيه مائة وتسعين ختمة ، وما برحت تنزل فيه وتصلّي كثيراً وتقرأ وكثيراً وتبكي بكاءً عظيماً ، حتى احتضرت سنة 208هـ وهي صائمة فألزموها بالإفطار وألحوا وأبرموا ، فقالت : واعجباً منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى ألقه وأنا صائمة أأفطر الآن هذا لا يكون ، ثم قرأت سورة الأنعام وكان الليل قد هدأ ،
فلمّا وصلت إلى قوله تعالى : ﴿ لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ﴾ غشي عليها ثم شهدت شهادة الحق وقُبضت إلى رحمة الله .
ووصل زوجها إلى مصر وأراد نقلها ، إلاّ أنّ أهالي القرية استجاروا بالأمير عند إسحاق ليردّه عما أراد فأبى ، فجمعوا له مالاً جزيلاً حتى وسق بعيره الذي أتى عليه وسألوه أن يدفنها عندهم فأبى ، فباتوا منه في ألم عظيم ، فلمّا أصبحوا اجتمعوا إليه فوجدوا منه غير ما عهدوه بالأمس ، فقالوا له : إن لك لشأناً عظيماً .
قال : نعم رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول لي : رُدّ عليهم أموالهم وادفنها عندهم . فدفنها في المنزل الذي كانت تسكنه في محلة كانت تعرف قديماً بدرب السباع ، وقد بادت هذه المنطقه ولم يبقى سوى قبرها . ولأهل مصر إعتقاد بها عظيم ، فإنّ الدعاء يستجاب عند قبرها .
اعلام النساء المؤمنات- الحسون، محمد