الخنساء: مربية الشهداء
عرفت في الجاهلية نساء ينشدن شعراً رفيعاً ويعرضنه في سوق عكاظ. ومع بزوغ شمس الاسلام، صار الأدباء والأديبات يقولون شعراً بشأن المعارف الإلهية بدل المضامين الجاهلية.
فالمرأة التي كانت في الجاهلية تنشد شعراً يتضمن معان جاهلية في رثاء أعضاء أسرتها، صارت بعد إسلامها ترسل شبابها وأبناءها إلى ميدان الحرب وتتلو عليهم آيات من القرآن الكريم.
الخنساء شاعرة عربية يقال انها من أحفاد امرىء القيس الشاعر المشهور. أنشدت شعراً رفيعاً في رثاء أخويها (معاوية وصخر) اللذين قتلا في إحدى الحروب، وكان شعرها في رثاء أخويها أفضل شعر من بين شعر النساء.
عند ظهور شمس الإسلام ، لم يؤمن به بداية كثير من الرجال والنساء .
إلا أن هذه المرأة، وبسبب النبوغ الفكري الذي كان لديها قدمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأسلمت واستنشدها فأنشدته فأعجب بشعرها.
كانت الخنساء تقوم بدور تربية الأجيال في المجتمع الإسلامي ، فكانت تجهزهم وتشجعهم وترسلهم إلى الجبهة ،
وفي إحدى الحروب في صدر الإسلام التي وقعت بعد رحلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصتهم بوصية تذخر بمعان مستوحاة من كتاب الله العزيز، ومما جاء فيها: "يا بني إنّكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم .
واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية" اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
"" ثم قالت : " فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها ، وجللت ناراً على أوراقها ، فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رسيسها " هذه المرأة قالت لأبنائها بأنهم إذا رأوا تجارة الشهادة نشطت وحمي ميدان الحرب فليغتنموا الفرصة وليتواجدوا (فتيمموا وطيسها).
انها تدعو أبنائها للتواجد في الجبهة حتى يغتنموا الشهادة ـ فاما أن ينتصروا والنصر غنيمة أو يستشهدوا والشهادة غنيمة.
هذه المرأة لم تكن تفكر بالغنيمة المادية اذ قالت لأبنائها ان تستشهدوا " تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة " ،
وهذا هو الفوز الحقيقي كما ورد في الآية الكريمة: " الحمد لله الذي أحلنا دار المقامة" .
ولما أضاء لهم الصبح ، باكروا إلى مراكزهم ، فتقدموا واحدا بعد واحد ينشدون أراجيز يذكرون فيها وصية أمهم لهم حتى قتلوا عن آخرهم. وأخبرت هذه الأم بالحدث، فقالت: "الحمد الله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة .
" ان هذه الشاعرة العظيمة تمتعت بذوق أدبي ينال إعجاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وبذوق ديني يستطيع أن يؤلف خطابا مستوحى من آيات القرآن ويحث أبنائه على الجهاد ، وبإيمان رفيع يحدو بصاحبته لتقول بعد تلقي خبر استشهاد أبنائها "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم"!
جمال المراة وجلالها -بتصرف