إن اليوم هو يوم تاسوعاء، وقد دأب الخطباء وأهل الرثاء فيه على الحديث حول شهادة أبي الفضل العباس. إنّ الذي يبدو من كافة الشواهد والأدلة هو أن أبا الفضل العباس كان آخر من استشهد قبل الإمام الحسين من المجاهدين، بإستثناء الطفل البالغ ستة أشهر من عمره, أو الصبي البالغ أحد عشر عاماً. وكانت تلك الشهادة فداءً لعمل عظيم أقدم عليه، ألا وهو جلب الماء للعطاشى في خيام أبي عبد الله الحسين.
وبالنظر في تلك الزيارات والتمعّن في تلك الكلمات الواردة عن الأئمة (عليهم السلام) بشأن أبي الفضل العباس، فإننا نكتشف أنه تمّ تأكيد خصلتين: الأولى البصيرة، والثانية الوفاء. فأين تكمن بصيرة أبي الفضل العباس؟ لقد كان أولئك جميعاً من أولي البصائر، إلاّ أنه كشف عن بصيرة أكبر؛ ففي يوم تاسوعاء، أي في عصر مثل هذا اليوم، عندما سنحت له الفرصة للخلاص من هذا البلاء حيث اقترحوا عليه الاستسلام في مقابل إعطائه الأمان، فإنه كان شهماً لدرجة أفحمت الأعداء، وقال لهم: وهل أتخلّى عن الحسين؟! الويل لكم! أفّ لكم ولأمانكم هذا! وثمة نموذج آخر لبصيرته، وذلك عندما أمر ثلاثة من إخوته الذين كانوا معهم بالتقدّم قبله إلى ميدان الحرب والجهاد حتى بلوغ الشهادة.
فإنكم على علم بأنهم كانوا أربعة إخوة من أم واحدة، وهم: أبو الفضل العباس ـ الأخ الأكبر ـ وجعفر وعبد الله وعثمان. فإن يضحّي المرء بإخوته الثلاثة أمام عينيه من أجل الحسين بن علي دون التفكير في أمه المحزونة, أو الاكتفاء بواحد منهم حفاظاً على مشاعر أمه والاهتمام بمصير إخوته الصغار ومن سيعولهم في المدينة المنورة، فهذه هي البصيرة.
وأما وفاء أبي الفضل العباس فقد تجسّد لدى بلوغه شريعة الفرات دون أن يشرب قطرة من مائه؛ فالمشهور على كل الألسنة هو أن الإمام الحسين(عليه السلام) بعث بأبي الفضل لجلب الماء، إلاّ أن الذي شاهدته من الروايات المعتبرة الواردة في كتب مثل "الإرشاد" للمفيد، و"اللهوف" لابن طاووس فلقد جاء في هذه الكتب المعتبرة أن العطش كان قد اشتدّ بالصبية والصبايا وبلغ مبلغه من حرم آل البيت، فذهب الإمام الحسين وأبو الفضل معاً في طلب الماء، وتوجها إلى شريعة الفرات لعلّهما يحصلان على بعض الماء. فهذان الإثنان من الأخوة الشجعان والأقوياء كانا معاً دائماً في ساحة القتال، أي الإمام الحسين بعمره الذي يشرف على الستين عاماً, ولكنه لا يشق له غبار في البسالة والقوة، وأخوه الشاب أبو الفضل العباس الذي جاوز الثلاثين بقليل من عمره بما يتميز به من خصال يعرفها الجميع. فهذان الأخوان لم يفارق أحدهما الآخر في ساحة الحرب، وكان كل منهما يحمي ظهر الآخر عند اشتداد القتال, وتخلّل صفوف الأعداء أملاً في الوصول إلى الفرات وجلب الماء.
وخلال هذه الجولة من المعركة شعر الإمام الحسين فجأة بأن العدو قد فصل بينه وبين أخيه العباس لدى اشتداد القتال؛ وفي هذه المعمعة كان أبو الفضل قد اقترب من الماء و وصل إلى شريعة النهر.
وكما جاء في الروايات، فإنه ملأ قربةً بالماء للعودة بها إلى الخيام؛ وفي مثل هذه الحالة يعطي كل واحد الحق لنفسه بأن يروي ظمأه، ولكن أبا الفضل العباس أظهر وفاءه في هذا الموقف الصعب. فعندما غرف غُرفة من الماء ذكر عطش الحسين، وتذكر صيحات: العطش .. العطش.. التي أطلقها الصبية والصبايا، وربما تذكّر بكاء علي الأصغر الظمآن، فلم يشرب وألقى الماء وغادر الشريعة. وحينئذ وقعت تلك الأحداث عندما سمع الإمام الحسين (عليه السلام) فجأة صوت أخيه قادماً من وسط جند الأعداء وهو يصيح: "يا أخاه أدرك أخاك".
نسألك اللهم وندعوك باسمك العظيم الأعظم الأعز الأجل الأكرم وبالحسين وأصحابه وأهل بيته يا الله يا الله يا الله يا رحمان ويا رحيم، اللهم إنّا نتوسل إليك بمحمد وآل محمد أن تنصر الإسلام والمسلمين على أعدائهم في فلسطين ولبنان وكافة بقاع العالم، وأن تعرّف الاُمة الإسلامية بقدر الإسلام ومنزلته، وأن تنصر شعبنا على أعدائه وتزيل من طريقه العقبات. اللهم إنا نسألك بمحمد وآل محمد أن يحقق شعبنا آماله وأهدافه وأن تقهر أمامه أعداءه وتنزل بهم الهوان والخسران، وأن تقرّب بين قلوب المسلمين في كافة أنحاء العالم وبين قلوب أبناء شعبنا والمسؤولين في بلادنا.
كلمة الإمام الخامنئي :الجمعة 9 محرم 1421 هـ ـ ق طهران