بسم الله الرحمن الرحيم في البدء أود أن أشكركم على حضوركم هنا لنتحدث عن كثب. لابد من التذكير بنقطة مهمة رغم أنكم تعرفونها جيدا، وهي أن المجلس الأعلى الذي يضم مجموعة من المجاهدين العراقيين، مطالب بأداء المهام المناطة به في سبيل الله ومراعاة كافة النواحي الدينية والتعاليم الإسلامية. عليكم السعي لان تكون كل اهتماماتكم متجهة نحو الله سبحانه وتعالى. فذات الإنسان محفوفة بأمور تكون مصدرا للاستقامة والانحراف، لذا فانتم مطالبون بالتزام جانب الحيطة وعدم ترك هوى النفس يغلبكم، اعني بذلك تحاشي التفكير بأنكم ستنتصرون وتتسلمون الحكم في العراق، بل ينبغي ان تكون انظاركم متمركزة على فكرة تشكيل حكومة اسلامية وتطبيق احكام الله.
فأميرالمؤمنين عليه السلام كان في طليعة الزهاد في الدنيا غير أنه قبل الحكم، لكن حكمه لم يكن لنفسه، بل ان كل ما بذله وكابده كان من اجل سيادة الاسلام. عليكم انتم أيضاً مجاهدة النفس لاخراج حب الدنيا والسلطة من قلوبكم، لانه اذا كان عملكم خالصا لله وحده فان ذلك سيؤثر على انتصاركم. يجب ان يكون اتكالكم على الله وحده، وهذا لا يمكن الا بالحد من هوى النفس وتعلقاتها، إذ ان كل الاختلافات والنزاعات مصدرها هوى النفس.
واينما شاهدتم خلافا نشب بينكم فاعلموا يقينا انه نابع من هوى النفس. وبالطبع ان الخلافات بين الانبياء ومعارضيهم وبين الاسلام والكفر، كانت موجودة دوما لكن ذلك الاختلاف كان ناجما عن العبودية. عليكم معالجة وازالة كل الخلافات النابعة من حب النفس واطمئنكم بأنه اذا لم تكن اعمالكم مستلهمة من التوحيد وابتعدتم عن الوحدة الإسلامية، فانكم ستخذلون وتهزمون.
الاتحاد سرّ انتصار الثورة الايرانية اتمنى لكم التوفيق في مساعيكم لتحرير العراق واستقلاله، وادعوكم لتركيز جهودكم على تحرير العراق من تسلط العتاة. واناشدكم الحذوحذوالنبي موسى عليه السلام الذي قام بوجه فرعون بهدف احقاق الحق دون التفكير بتسلم السلطة او الحكم، وانتم كذلك ينبغي ان تضعوا في حساباتكم ان يكون مجلسكم مجلسا الهيا، لانه اذا حصل خلاف داخل صفوف مجلسكم فانكم ستهلكون، لكن اذا وحدتم كلمتكم وتضامنتم ستنتصرون بأجمعكم.
وبما انكم تريدون القضاء على هذا الظلم واجتثاث جذوره من اجل الله، فان التوفيق سيكون حليفكم ان شاء الله، وهذا التوفيق لن تبلغوه إلّا إذا تخلصتم من الخوف والقلق. وان سر انتصار ايران يكمن في ان الجميع كانوا متحدين ولم يكن يفكر أحد بنفسه ومصلحته لوحده. وانتم كذلك عليكم توحيد صفوفكم وهو كذلك والحمد لله، وعندما يكون الاتحاد موجودا في الرعيل الاول فان الخلاف لن يدبّ في الكيانات اللاحقة. واسعوا لئلا يكون قي قلوبكم شيء مناقض للأحكام الالهية، واذا شاهدتم شيئا من ذلك عليكم رفضه واخراجه من قلوبكم. وكنت قد قلت مرارا ان الانبياء لواجتمعوا في مكان واحد فانهم لن يختلفوا فيما بينهم، لان هدفهم وغايتهم واحدة والهية.
فإذا تحقق التوحيد الحقيقي بمعناه الواقعي في مجلسكم فمن المؤكد ان التابعين والموالين لكم لن يختلفوا فيما ببينهم. والوحدة الحقيقية تعني ان تنبض قلوبكم جميعا لشيء واحد وهو الاسلام. واذا تحقق ذلك فان الله تعالى سيساندكم ويسدد خطاكم. يجب علينا ان نعترف ان كل ما عندنا هو منه تعالى وحده. فانتم لا تملكون عددا كبيرا من القوات والسلاح او عدة الحرب الكافية، في حين يحظى عدوكم بدعم واعانة العالم كله.
وعندما تكون الحالة هذه، ينبغي لمن لا يملك شيئا مجابهة عدوه بالسلاح المعنوي. وانتم تعرفون جيدا ان شاه ايران السابق كان مدججاً بالعتاد والسلاح، حيث عملت امريكا على ملء ايران بالسلاح والعتاد الحربي لأنها ارادت جعل ايران قاعدة عسكرية لها، وكان شاه ايران يمتلك كل شيء، ويحظى بدعم كل القوى العظمى، لكن الشعب الايراني لم يكن يملك شيئا، بدءا من مدرسة الفيضية، وعندما شاهد الشعب عدم وجود اختلاف،
وحدوا صفوفهم وتضامنوا مع بعضهم البعض وحققوا الانتصار بقوة الايمان. فالشعب الايراني الذي لم يكن يمتلك السلاح، تمكن من تحقيق النصر بقبضات حديدية واطلاق الصرخات بوجه العدو. فقد راح هذا الشعب صرخ حتى تمكن من دحر عدو مدجج بالسلاح. وبعد ذلك شكل أبناء الشعب بانفسهم اللجان الثورية وحرس الثورة.
والاوضاع السائدة في ايران اليوم اوضاع الهية. وعندما يقدم شبابنا كل هذه التضحيات في جبهات الحرب، او عندما يأتون ويتحدثون معي، فاني اتحسر على الروح السامية والصادقة التي يتحلون بها. فان مثل هذه الحالة تستتبع النصر اينما وجدت. والرعاية الالهية هي النتيجة الطبيعية لهذا الوضع اينما كان.
وان النصر المؤكد ياتي بعد الرعاية الالهية. نسأل الله ان يصلح امرنا لنتمكن من خدمة عباده. وتشاهدون اليوم جرائم فظيعة ترتكب على يد وحوش مفترسة! فعندما يرى احدنا كيف نال الشهيد السيد الصدر، هذا العالم الفاضل وشقيقته الشهادة بهذا الوضع المؤسف على يد هؤلاء الجناه، وكيف انهم انقضوا على اسرة المرحوم السيد محسن الحكيم التي قدمت خدمات جليلة للاسلام وكذلك إيذاء نجله السيد يوسف الحكيم الذي عندما يراه الانسان يتذكر يوم القيامة، حيث عاملوهم بمنتهى الوحشية واعتقلوا من آل المرحوم السيد الحكيم تسعين فردا، عندما يرى احدنا هذه الفظائع يتألم كثيرا ويدرك اي نوع من الوحوش المفترسة هؤلاء.
واني اعلم تماما بأن الشعب العراقي مستاء جدا من هذه الاوضاع وهذه الجرائم. فهل هناك من يرى كل هذه الفظائع ولا يتأثر. آمل ان تتحسن كل الامور وتسير على ما يرام. فالقوى الكبرى تصورت انها قادرة على ابقاء هؤلاء العتاة في السلطة، كما حاولت امريكا والاتحاد السوفيتي وفرنسا وسائر القوى الكبرى الابقاء على عرش شاه ايران، وجاءني عدد منهم من ايران الى فرنسا وطلبوا مني الموافقة على بقاء الشاه دون أن يحكم، لكن ذلك لم يحدث، والآن تسعى كل القوى الكبرى للحفاظ على نظام صدام، لكن ذلك غير ممكن.
عليكم السعي لتوعية الشعب العراقي، وآمل ان يتنبه هذا الشعب ويقتدي بالشعب الايراني.
ادعو الله تعالى ان يوفقكم لتكونوا مجاهدين في سبيل الله. وان شاء الله ستكتب لكم العودة للعراق منصورين، ونلتقيكم في ضريح سيد الشهداء الحسين عليه السلام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صحيفة الإمام، ج18، ص: 117 خطاب التاريخ 29 شهريور 1362 هـ. ش/ 12 ذي الحجة 1403 هـ. ق المكان: طهران، حسينية جماران الإمام الخميني الإخلاص النصر