كان في بغداد رجلٌ معروفٌ يُقال له بشر، وكان ممّن يشار إليه بالبنان. وحدث يوماً أن كان الإمام الكاظم عليه السلام مارّاً من أمام بيت بشر، فاتفق أن فتحت جارية باب الدار لإلقاء بعض الفضلات "قمامة" وحين رمت بها في الطريق سألها الإمام عليه السلام قائلاً: يا جارية! هل صاحب هذا الدار حرٌّ أم عبدٌ؟!
فأجابته الجارية وهي مستغربة من سؤاله هذا وبشر رجل معروف بين الناس وقالت: بل هو حرّ.
فقال الإمام عليه السلام: "صدقت لو كان عبداً لخاف من مولاه"
الإمام عليه السلام قال هذه الكلمة وانصرف، فعادت الجارية إلى الدار وكان بشر جالساً إلى مائدة الخمر، فسألها: ما الذي أبطأك؟
فروت له ما دار بينها وبين الإمام عليه السلام، وسمع ما نقلته من قول الإمام عليه السلام: "صدقت، لو كان عبداً لخاف من مولاه" فهزّه هزّاً عنيفاً أيقظه من غفلته، وأيقظه من نومة الغفلة عن الله،
ثمّ سأل بشر الجارية عن الوجهة التي توجَّه إليها الإمام، فأخبرته فانطلق يعدو خلفه، حتى أنّه نسي أن ينتعل حذاءه. في الطريق كان يحدث نفسه بأنّ هذا الرجل هو الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وفعلاً ذهب إلى منزل الإمام، فتاب على يده واعتذر وبكى ثمّ هوى على يدي وقدمي الإمام يقبّلها وهو يقول: سيّدي أريد من هذه الساعة أن أصبح عبداً ولكن عبداً لله، لا أريد هذه الحرية المذلة التي تأسر الإنسانيّة فيَّ، وتطلق العنان للشهوة الحيوانية،
لا أريد حرية السعي وراء الجاه والمنصب، لا أريد حرية الخوض في مستنقع الذّنوب وأغدو أسيراً لها، لا أريد أن تؤسر فيَّ الفطرة السليمة والعقل السليم، من هذه الساعة أريد أن أصبح عبداً لله وحده، حراً تجاه غيره.
وتاب بشر على يد الإمام الكاظم عليه السلام. ومنذ تلك اللحظة هجر الذّنوب ونأى عنها وأتلف كلّ وسائل الحرام، وأقبل على الطاعة والعبادة. إذن، بشر هذا هو مهاجر أيضاً لأنّ "المهاجر من هجر السيّئات".