الحاجة عفاف الحكيم
زلزال هز عروش الطغاة وبركان سيبقى أواره مستعراً
في ذكرى انتصار الثورة الاسلامية تتدافع الخواطر وتتسابق، ذلك أن الحدث الذي هز العالم من أقصاه إلى أقصاه قبل ثماني سنوات لا زالت أصداؤه تتردد حتى الآن -تفاعلا وانفعالا- بنفس الزخم والفاعلية. ففي أوساط المسلمين: لم يسبق أن أثار حدث ما من أحداث التاريخ الاسلامي اهتمام الأمة الاسلامية بأسرها مثلما أثارته الثورة الاسلامية.
وفي أوساط المستكبرين: لم يروع حدث ما قوى الكفر العالمية المتغطرسة، إن في الغرب أو الشرق، مثلما روعتها الثورة الاسلامية. وهذا يجعل المتتبع لمجريات الأحداث، لا يبذل كبير جهد من أجل أن يدرك بأن هذه الثورة قد وضعت التاريخ البشري فعلاً على مسار جديد. ومن هنا خطر لي عبر هذه السطور، أن أحاول رصد مواقع التفاعل والانفعال -تجاه الحدث- وصولاً إلى تحديد معالم المسار.
1- منعطفات الانفعال: أذكر مع بداية الثورة المباركة استوقفني حديث لـ"بن غوريون" أحد مؤسسي دولة "إسرائيل" ودراسة لـ"باول شمتز" أحد المهتمين في شؤون السياسة الدولية ودراسة المتغيرات البشرية.
أما الحديث فيقول:" إننا لا نخشى الثورات ولا الاشتراكيات ولا الديمقراطيات في المنطقة. ما نخشاه فقط هو الإسلام. هذا المارد الذي نام طويلاً ثم بدأ يتململ من جديد...". وأما الدراسة فقد جاء فيها:" أن المسلمين مؤهلون من عدة أسباب لتولي ريادة العالم،[ذلك أنهم]:
1- أنهم يسكنون منطقة جغرافية تتحكم في العالم كله من حيث موقعها الاستراتيجي وثرواتها المعدنية والزراعية والنفطية.
2- أن لديهم خصوبة بشرية تمكنهم من التفوق على غيرهم إن أحسنوا أعدادها وتوجيهها.
3- يملكون من المواد الخام ما يستطيعون به بناء قوة صناعية تصارع أرقى صناعات العالم.
4- يملكون الاسلام، ذلك الدين له قوة سحرية على تجميع الأجناس البشرية المختلفة تحت راية واحدة، بعد إزالة الشعور بالتفرقة العنصرية في نفوسهم. وله من الطاقة الروحية ما يدفع المؤمنين به إلى التضحية بكل شيء في سبيل الله. وختم دراسته بقوله: إن انتفاضة العالم الإسلامي نذير، وهتاف يدعو إلى التجمع والتساند، لمواجهة هذا العملاق الذي بدأ يصحو وينفض النوم عن عينيه. -لا شك أن الذعر الديني الذي أطلقه هذان الحاقدان من أجل تحذير بني قومهما من مغبة ظهور الإسلام كنهج عملي في الساحة العالمية يبين مدى ما بذلوه من جهود لإخراج الإسلام من حياتنا. ومن ثمّ مدى حرصهم على عدم انبعاثه من جديد.
2- المتغيرات وأجواء الانفعال:
كلنا يذكر حين تحرك الزلزال في أرض إيران الإسلام، وبدأ الطوفان البشري الهادر يشق طريقه منادياً باسقاط حكم الطاغوت، وإعادة حكم الله. وكيف راح العالم المبهور –يومذاك- يتحرك مع الحدث كطفل، وكيف كان الناس في حال من البهجة والتعجب والتلهف على متابعة الحدث، حتى صحف العالم وإذاعاته التي كانت تواكب تفاصيل الأمور، كانت مفتونة بالمسيرات المليونية، وبالجرأة والاقدام والبذل. فكانوا يتحدثون بإسهاب عن نهوض الشيوخ والأطفال والنساء، وعن صمود الشعب الأعزل إلا من الإيمان أمام خامس قوة في العالم. لكن مع جلاء الأمور ووضوحها، بدأ الإعلام الغربي يبهت ويأخذ طابعاً مختلفاً فالمسار الإسلامي -في نظرهم- بدأ يتخذ جانباً كبيراً من الخطورة. و
لو كانت الصدمة الأولى: التي كانت تلقتها دوائر الاستخبارات الاميركية -كما عبر أحد كبار مسؤوليها- تكمن في الدور الهائل الذي لم يكن متوقعاً على الاطلاق، لرجال الدين، وتأثيرها غير العادي في الجماهير.
أما الصدمة الثانية:
فكانت عبر صدّ الطريق على أية مساومة ورفض أنصاف الحلول من قبل الإمام القائد –حفظه الله- وحيث اكتشف المتربصون بأن الإسلام الذي يتقدم باتجاه الحكم، لا يخفي وراءه أي رغبات أو أطماع أو مراكز كما هو مألوف في الصراعات (الإسلامية) وحيث اعتادت تلك الدوائر أن تجد متسعاً وارفاً خلف تلك الواجهات. أما الصدمة الثالثة والمستمرة: فكانت عبر حالة الارباك، فالمستجدات غير المتوقعة خلطت كل الأوراق، وقلبت كل الحسابات رأساً على عقب، وجعلت الخطط المرسومة تفقد فعاليتها، وكان أن وقعوا في جحيم من الانفعال وتبادل التهم، مما جعلهم فيما بعد في أكثر من مأزق.
3 – انفعال المستكبرين: حين أرعبت قوة الثورة وحيويتها هذه الدوائر وأُسقط في أيديهم، لم يعد بامكانهم سوى التخطيط للواقع المرئي، وكان أن تساقطت المؤامرات على إيران الأسلام، وبدأت حملة التشويش الإعلامي الواسع ضد الثورة وقادتها ثم كانت عملية محاصرة الثورة إعلامياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً إلى جانب إثارة الحساسيات الطائفية والمذهبية والعرقية، عبر تحريك القوى المضادة في الداخل، بالإضافة إلى تنفيس حقدهم بضرب مراكز العلماء والقادة وتصفيتهم. دوائر الاستكبار يومذاك كانت في هرج ومرج. وأما إيران الإسلام فكانت رغم كل الأذى والضغوط مطمئنة لرعاية الله. وفي هذه الأجواء جاءت عملية "طبس" وكان أن تدخلت العناية الإلهية عبر أضعف مخلوق "وهو التراب" ليقف في وجه الطائرات العسكرية الضخمة التي جاء بها الغرور الأميركي إلى صحراء طبس.
- وكانت الصدمة المرّة، التي أطلعت العالم على حجم الكستكبرين أمام القوة التي يستند إليها المؤمن، الصدمة، التي دفعت بإحدى الصحف الأميريكية حين أرادت أن تبرر فشل العملية المتقنة إلى القول: إن الله مع الخميني.
4- المنطقة وأجواء التفاعل والانفعال: لا شك أن تأثر المسلمين وتفاعلهم العفوي الحار مع الثورة الإسلامية. طبع مجتمعاتهم بطابع جديد من اليقظة والتحرك. فالثورة الإسلامية أعادت لهم صلتهم بتاريخهم ونهوض الثائرين فيها جسد أحلامهم المكبوتة، وجددت خواطر كانت تعيش في وجدانهم وتتفاعل مع أحساسيهم ومشاعرهم، لقد جعلتهم وجهاً لوجه أمام نفحات من نصرالله الذي آزر المسلمين في معركة بدر، ذكرتهم بتحالف المستكبرين يوم الأحزاب وبتحطيم المكر اليهودي في خبير، وبأيام الله التي لا تنسى يوم فتح مكة وتحطيم أصنامها، وكان من البديهي لهذا الزخم أن يأخذ وجهته العملية، ولئن أفاقت الأنظمة الحاكمة، لا من أجل أن تنصهر مع تطلعات شعوبها، ولا من أجل أن تصافح اليد النقية التي امتدت تبحث عن التوحد من أجل استعادة حقوق الإسلام والمسلمين.
وإنما من أجل أن تسارع في وضع الخطط القمعية فيما بينها لمنع انتشار أشعة الثورة الإسلامية، فهذا اللطف الإلهي، لم يكن ليستوعبه حكام تربوا على موائد الكفر، ما استوعبوه فقط هو أن حكم الإسلام يمثل خطراً عظيماً وتهديداً مباشراً، وكان أن تفاقمت الفجوة بين تفاعل المسلمين مع الثورة، وانفعال حكامهم منها فجوة تحدث عنها فنون التعذيب والمعتقلات وأعواد المشانق، ومؤتمرات الذين ارتموا تحت أقدام الذل في أقبية شياطين العصر.
5- المنفعلين وبديهة التلاقي: بعد أن برزت الجمهورية الإسلامية بوجهها الأصيل، ومضت تواصل مسارها في قوة وجرأة عظيمين، شهد العالم ظاهرة فريدة من نوعها في تاريخ الصراعات والحروب إذ لأول مرة يتم التحالف العسكري والسياسي والاعلامي تلقائياً، بين جميع الأنظمة المستكبرة وأتباعها – شرقاً وغرباً- ويصبح لدى الجميع توجه واحد، وهذا الواقع عبّر عنه "موشيه دايان" بقوله:" إن على دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة، أن تعطي اهتماماً أكبر لإسرائيل باعتبارها خط الدفاع الأول عن الحضارة الغربية في وجه أعاصير الثورة الإسلامية".
وعبرت عنه كذلك جريدة (الجوبش كرونبكل) يومذاك، حيث قالت:"ليس في وسع الغرب ولا حتى الشرق أن ينظر بلا مبالاة إلى الوعي الذاتي والمتنامي، والثقة بالنفس عند المسلمين، وإذ[...]