الطعام الحرام الذي يدخل إلى دارك ثم يدخل إلى بطنك بعد اكتسابه من الرشوة، هو أكل أموال الناس بالباطل، ومن الربا، وهو طعام غير مبارك، وطعام ستدخل بسببه نار جهنم الحامية، وبسببه أيضاً سيكون منزلك ممراً لعبور الشياطين الرّجيمة: (الذين يأكلون أموال اليتامى ظُلماً إنَّما يأكلون في بطونهم ناراً، وسيصلون سعيراً) (النساء/ 10).
لقد ذكر الباري تعالى اليتيم في هذه الآية المباركة باعتبار أنّ أكل ماله بالباطل أكبر مصداق على الظلم، أو أكبر مصداق على الأكل الحرام، لذا يكون معنى الآية، أن من يأكل المال الحرام، سيصلى سعيراً. لقد علّق الإمام الصادق جعفر بن محمد (ع) على هذه الآية فقال: إنّ الذي لا يعطي الخمس من أمواله، ولا يزكّى، ويأكل أموال الرّشوة، والرّبا، والغشّ، ومن طرق الحرام لا ينبغي له أن يظنّ بأنّه يأكل خيراً، كلا، إنّه يأكل ناراً، وأنّ الذي يرى بعين البصيرة ناراً على مائدته حينما يكون قابضاً للزكاة أو الخمس، ويرى أبناءه يأكلون ناراً بدل الطعام الممدود أمامهم هو الذي قيل فيه: (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) (ق/ 23).
ومثل هكذا أفراد لا يتأتى لهم إلاّ الرجوع إلى جادة الصواب والهِداية، على العكس من أولئك الذين يظنون أنّهم يأكلون خيراً بالرغم من أنّهم لا يأكلون غير النار الممزقة لأمعائهم، ولكن لا يشعرون إلا بعد أن يكشف الله لهم عن أستار الحقيقة ليروا بأمهات أعينهم ماذا كانوا يأكلون! إن الزوجة والأولاد الذين يتناولون طعامهم من تلك المائدة التي جلبها لهم ربّ الأسرة من أموال الحرام، ستتضح لهم الأمور على زمن الآخرة ليصبحوا من ألدّ أعداء ذلك الرجل، وسيقفون أمامه ليقولون له: لماذا أطمعتنا ناراً؟ لماذا لم تخرج الخمس من أموالك؟ إنك بإطعامك الحرام لنا جررتنا إلى عمل المعاصي وبذلك منعتنا من نيل السعادة الأبدية التي كان لنا أن نحظى بها لولا إطعامك لنا من أموال الحرام تلك!.
وتحكي الروايات لنا عن ذلك السيئ الحظ الذي كان يعمل في الدنيا ليل نهار من أجل زوجته وأبنائه، وفي الآخرة يجدهم أمامه أعداءً ناقمين! يدعون الله عليه ويرجونه أن يزيد في عذابه باعتباره السبب في دخولهم النار بعدما أطعمهم من مال الحرام فقست قلوبهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يأتي ليرى ميزان عمله وإذا به لا يجد إلاَّ ما يضرّه، إلا ما يدخله إلى نار جهنم. قال تعالى في محكم كتابه العزيز: (وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً) (الفرقان/23).
إن هذه الآية المباركة تتحدث عن عدّة من الناس عبدوا الله كثيراُ فأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجّوا بيت الله الحرام، وزاروا قبر الإمام الحسين بن عليّ (ع) في كربلاء لأنهم خلطوا أعمالهم تلك بأكلهم الحرام فحشرهم الله بدون عمل صالح، فسخر البعض منهم وقال: هؤلاء الذين حوّلت أعمالهم إلى الغير ليتبوّؤوا هم مقاعد في النار جراء ما جنت أيديهم، ولقد كان أزواجهم وأبناؤهم في رفاه ونعمة في الدنيا، واليوم يدخلون جهنم بعد أن أضحى أبناؤهم وأزواجهم ألدّ أعدائهم بسبب ما حملوا لهم من أموال حرام. فاحذر من أكل أموال الناس، واعلم بأنّ الذي جمع المال الحرام ليعيل أهله لم يفز إلا بجهنم ودعاء الشر ممن حمل إليهم تلك الأموال، فلا تكن جهنمياً باكتساب الأموال من الطرق المحرّمة التي لن تكون إلاَّ وبالاً عليك يوم القيامة.
المصدر:يراجع: كتاب الشيخ مظاهري، الأخلاق البيتيّة، موضوع تأثير المال الحرام.