ظلم الحكام والمتسلطين وذلك باستبدادهم، وخنقهم حرية الشعوب، وامتهان كرامتها، وابتزاز أموالها، وتسخيرها لمصالحهم الخاصة. من أجل ذلك كان ظلم الحكام أسوأ أنواع الظلم وأشدّها نُكراً، وأبلغها ضرراً في كيان الأمة ومقدراتها.
قال الصادق عليه السلام: "إن اللّه تعالى أوحى الى نبي من الأنبياء، في مملكة جبار من الجبابرة: أن إئتِ هذا الجبار فقل له: إني لم استعملك على سفك الدماء، واتخاذ الأموال، وإنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فاني لن أدع ظلامتهم وان كانوا كفاراً"18.
وعن الصادق عن آبائه عن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه قال: "تكلم النارُ يوم القيامة ثلاثة: أميراً، وقارئاً، وذا ثروة من المال. فتقول للأمير: يا من وهب اللّه له سلطاناً فلم يعدل، فتزدرده كما يزدرد الطير حب السمسم. وتقول للقارئ: يا من تزَين للناس وبارز اللّه بالمعاصي فتزدرده. وتقول للغني: يا من وهب اللّه له دنيا كثيرةً واسعةً فيضاً، وسأله الحقير اليسير قرضاً فأبى الا بخلاً فتزدرده"19.
وليس هذا الوعيد الرهيب مقصوراً على الجائرين فحسب، وإنما يشمل من ضلع في ركابهم، وارتضى أعمالهم، وأسهم في جورهم، فإنه وإياهم سواسية في الاثم والعقاب، كما صرحت بذلك الآثار: قال الصادق عليه السلام: "العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثتهم"20.
لذلك كانت نُصرة المظلوم، وحمايته من عسف الجائرين، من أفضل الطاعات، وأعظم القربات الى اللّه عز وجل، وكان لها وقعها الجميل، وآثارها الطيبة في حياة الانسان المادية والروحية. قال الامام الكاظم عليه السلام لابن يقطين: "إضمن لي واحدةً أضمن لك ثلاثاً، إضمن لي أن لا تلقى أحداً من موالينا في دار الخلافة الا بقضاء حاجته، أضمن لك أن لا يصيبك حدّ السيف أبداً، ولا يظلك سقف سجن أبداً، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً"21.
وقال أبو الحسن عليه السلام: "إن لله جل وعزّ مع السلطان أولياء، يدفع بهم عن أوليائه". وفي خبر آخر: "أولئك عتقاء اللّه من النار"22.
وقال الصادق عليه السلام: "كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان"23.
وعن محمد بن جمهور وغيره من أصحابنا قال: كان النجاشي - وهو رجل من الدهاقين - عاملاً على الأهواز وفارس، فقال بعض أهل عمله لأبي عبد اللّه عليه السلام: إن في ديوان النجاشي عليّ خراجاً، وهو ممن يدين بطاعتك، فان رأيت أن تكتب لي اليه كتاباً. قال: فكتب اليه أبو عبد اللّه: "بسم اللّه الرحمن الرحيم سُر أخاك يسرك اللّه". فلما ورد عليه الكتاب وهو في مجلسه، فلما خلا ناوله الكتاب وقال: هذا كتاب أبي عبد اللّه عليه السلام، فقبله ووضعه على عينيه ثم قال: ما حاجتك؟ فقال: عليّ خراج في ديوانك. قال له: كم هو؟ قال: هو عشرة آلاف درهم. قال: فدعا كاتبه فأمره بأدائها عنه، ثم أخرج مثله فأمره أن يثبتها له لقابل، ثم قال له: هل سررتك؟ قال نعم. قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى فقال له: هل سررتك؟ قال: نعم جعلت فداك. فأمر له بمركب، ثم أمر به بجارية وغلام، وتخت ثياب، في كل ذلك يقول: هل سررتك؟ فكلما قال: نعم، زاده حتى فرغ، فقال له: إحمل فرش هذا البيت الذي كنت جالساً فيه حين دفعتَ إليَّ كتاب مولاي فيه، وارفع إليّ جميع حوائجك.
قال: ففعل، وخرج الرجل فصار الى أبي عبد اللّه عليه السلام، فحدثه بالحديث على جهته، فجعل يستبشر بما فعله. قال له الرجل: يابن رسول اللّه قد سرّك ما فعل بي؟ قال: اي واللّه، لقد سرّ اللّه ورسوله24.
الهوامش:18- المصدر نفسه .
19- البحار م 16 ص 209 عن الخصال للصدوق رضوان الله عليه.
20- الوافي ج 3 ص 163 عن الكافي.
21- كشكول البهائي طبع ايران ص 124.
22-الوافي ج 10 ص 28 عن الفقيه.
23- المصدر نفسه.
24- الوافي ج 10 ص 28 عن الكافي.
* المصدر:أخلاق أهل البيت عليهم السلام، السيد محمد مهدي الصدر، دار الكتاب الإسلامي، ص:73.