إن أهمية الأربعين تعود في الأصل إلى أنّ النهضة الحسينية، وبفضل التدبير الإلهي لآل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله)، تخلّدت في هذا اليوم وإلى الأبد وأصبحت أساساً وقاعدة.
فلو لم يهتم ذوو الشهداء وعوائلهم بالحفاظ على ذكريات وآثار الشهادة في الأحداث المختلفة – من قبيل شهادة الحسين بن علي (عليه السلام) في عاشوراء – لما استطاعت الأجيال التالية أن تستفيد كثيراً من معطيات الشهادة. صحيح أن الله تعالى جعل الشهداء أحياءاً حتى في هذه الدنيا وأن الشهيد خالد بطبيعته في التاريخ وذاكرة البشرية، إلا أن الأدوات الطبيعية التي قيّضها الله تعالى لهذا العمل – ككلّ الأعمال – كامنة في اختيارنا وإرادتنا نحن.
إننا نحن الذين نستطيع بفضل عزمنا الأكيد وقرارنا المناسب أن نحيي ذكرى الشهداء وفلسفة الشهادة وأن نُبقيَ عليها حية دائماً. فلو لم تجدّ زينب الكبرى (سلام الله عليها) والإمام السجاد (صلوات الله عليه) في الجهاد وتبيين وإيضاح حقيقة فلسفة عاشوراء وهدف الحسين بن علي وظلم الأعداء، وذلك على طوال أيام الأسر – سواء في عصر يوم عاشوراء في كربلاء أو في الأيام التالية في الطريق إلى الشام والكوفة وفي الشام نفسها وبعد ذلك عند زيارة كربلاء والعودة إلى المدينة ثم على مدى الأعوام التي عاشها هؤلاء العظماء – لما بقيت حادثة عاشوراء نابضة وحية وملتهبة حتى اليوم. لماذا قال الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) – طبقا لبعض الروايات -:
«من قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى غفر الله له ووجبت له الجنة»، لأن جميع الأجهزة الإعلامية قد أعدّت من أجل جعل قضية عاشوراء وقضية آل البيت بصفة عامة منعزلة عن الواقع ومنطوية تحت أستار الظلام حتى لا يفهم الناس ما حدث وما هي القضية. وهكذا هو الإعلام.
فما أشبه اليوم بالبارحة حيث تستغل القوى الظالمة والجائرة وسائل الإعلام الكاذبة والمغرضة والشيطانية على أوسع نطاق. فهل كان من الممكن أن تخلّد قضية عاشوراء مع ذلك الوضع – الحادثة التي وقعت بهذا القدر من العظمة في صحراء في ركن من أركان العالم الإسلامي – على ما هي عليه من التدفّق والحيوية وفي جوّ كهذا؟ إنها كانت ستُمحى بالتأكيد لولا هذه الجهود. إن الذي أحيى هذه الذكرى هو ما بذله آل بيت الحسين بن علي (عليهما السلام) من جهود.
فبقدر ما تحمّله جهاد الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) وأصحابه بصفتهم حَمَلَة للواء، كان جهاد زينب (عليها السلام) وجهاد الإمام السجاد (عليه السلام) وباقي هؤلاء العظماء شاقاً كذلك. وبالطبع فإن ساحتهم لم تكن عسكرية، بل كانت إعلامية وثقافية. وهذا ما ينبغي أن نهتم به. إنّ الدرس الذي نتعلمه من الأربعين هو وجوب الحفاظ على ذكرى الحقيقة وخاطرة الشهادة الحية في مقابل طوفان إعلام العدوّ...
هكذا كان إعلام يزيد وجهازه الظالم الجبار الذي كان يسعى إلى إدانة الحسين بن علي (عليه السلام) وإظهاره بمظهر الحب للدنيا الذي ثار ضدّ جهاز العدل والحكومة الإسلامية! ولقد كان البعض أيضاً يصدّق هذه الدعايات الكاذبة. وحتى بعد أن استشهد الحسين بن علي (عليه السلام) بذلك الوضع المدهش وتلك الصورة المفجعة على أيدي اللئام في صحراء كربلاء، فإنهم حاولوا التعبير عن ذلك بأنه غلبة لهم وفتح!
ولكن الإعلام الصحيح لجهاز الإمامة فنّد كل هذه المزاعم. وهكذا هو الحق.
من كلمة للإمام الخامنئي بتاريخ 8 / 9 / 1989