والدتا الشهيدين ياسر وحسن تتحدثان لـ"العهد"
عن آخر لحظات اللقاء فاطمة ديب حمزة ببسم رب الشهداء، فتح المقاومون نار الرد على المعتدين. مجموعة الشهيدين ياسر ضاهر وحسن زبيب، لم تنتظر أكثر من أسبوع لفتح صفحة الحساب مع الصهاينة. هناك في عز النهار، وفي أكثر مساحات الأرض بساطة، هناك في الخاصرة الفلسطينية المحتلة، التي لطالما حلم الشهيدان الصديقان ضاهر وزبيب أن يشاركا رفاق الجهاد لحظة السير الموعود إليها.
لكن الوعد المرسوم في السماء البعيدة، أراد لهما اسمَين في بيان للمقاومة يُسطّر أجمل وأبهى معادلات النصر والردع . ياسر وحسن، قصة المقاومين الصديقين الشهيدين .. الحالمين بالنصر المحتوم. الشهيد حسن زبيب .. الضاحك "لست أعلم لماذا كان بشوشاً دائماً، ضاحكاً دائماً، متفائلاً دائماً"
ربما لا تعلم أن في الأمر وراثة منها إلى ولدها الوحيد بين ثلاث اخوات. تقريباً، لم تتوقف ابتسامتها طيلة الحديث عن شهيدها "المهضوم، الطيب النفس، الكريم الخلق، اللطيف المعشر..". في كل أقسام ملامحها، تظهر فرحة الأم وهي تتحدث بفخر عن ولدها، عن إنجازه الأكبر في الحياة، وهو الذي كان متفوقاً في دراسته، وحريصاً في مسيرته العلمية، ومتابعاً حثيثاً لمساره المهني، والجهادي.
تقول أم الشهيد حسن زبيب لموقعنا: "حسن، احتار ماذا أخبرك عنه، عن صفاته الجميلة، وشخصيته السحرية، حسن كان مميزاً من دون أن اعلم بماذا .. لكنه كان مختلفاً". تربكها في الكلام كثرة الصور العائدة الى ذاكرتها في لحظة واحدة. تنتقل - في الحديث عنه - من فكرة الى أخرى، ومن رواية الى رواية "كان مؤمناً ملتزماً بهدوء، بلا صخب الممارسة، مواظباً على صلاة الليل في أصعب الظروف، حريصاً على أخواته البنات، رفيقاً ومرافقاً لهنّ، رقيباً عليهن لا تفوته ملاحظة على أي شائبة في الالتزام الشرعي والديني".
ثم تستذكر أم الشهيد حسن بعض المرات التي "عاد فيها مع أخواته الى البيت والجدال بينهن حول هذه الأمور لا يزال مشتعلاً، وأنا فرحة بذلك رغم الاختلاف والخلاف بينهم. كنت أجده الحريص المحب لهن والحنون عليهن، والمبادر الى مصالحتهن بعد كل اختلاف". عند هذه النقطة تحديداً، يغلب الاشتياق بسمة الأم. ربما وجدت في صورة الأبناء وجهاً بدرياً ناقصاً فغلبها الحزن والشوق، لكنها تختم وصف ابنها الشهيد بأجمل ما يمكن من وصف: "حسن، هو أجمل ذكرى عندي .. حسن، رفع رأسي في الدنيا قبل الآخرة".
الشهيد ياسر ضاهر .. مهّد الطريق لنفسه تتشابه حكايات الشهيد حسن مع حكايات صديق العمر الشهيد ياسر ضاهر، بل تتكامل معها في مفهومها الجهادي. ربما هو السبب والنتيجة في آن واحد، التي جمعت بينهما من أيام الطفولة، الى آخر نفس على منصة الشهادة.
تبدأ والدة الشهيد ياسر الحديث مع موقع "العهد" بأن توقعها لم يخِب "هذا ما كنت أتوقعه لياسر، ليست أنا فقط بل كل من يعرفه جيداً، لم أجد فيه إلا شهيداً". وعندما تتحدث عن صفاته تبدو الحماسة في صوتها "كان لا يضيع وقته بأمور لا فائدة منها، كان مستثمرًا بارعًا للوقت، حتى أنه في بعض المرات التي كنت أحسبه فيها خارجًا للترفيه، كان يجالس بعض الأصدقاء للحديث عن توجيه اجتماعي ما، أو التزام ديني وشرعي ما".
ثم تروي والدة الشهيد لموقع "العهد" كيف "كان يسابق الجميع إلى صلاة الليل والصبح. كنا نحسبه نائماً، فنجده قد تفوق علينا في احتساب الوقت، وبدأ صلاته". تجزم الوالدة المعتزة بابنها الشهيد، بأنه لم يكن من المغتابين لأحد "كان كتوماً جداً، وبعيداً عن الاستغابة جداً، وهو كان من المحبين للحياة والساعين لعيشها كما يجب في طاعة الله وحبه. وكان مشهوراً بحبه للأصدقاء، ورفاق الجهاد".
تحاول الوالدة تجميع الذاكرة لاستحضار بعض من حضور الشهيد. تروي كيف "قرر أن يترك مدرسته في إحدى المرات، وهو المتفوق في درسه والملتزم بنظام المدرسة، من أجل المشاركة في تشييع أحد الشهداء، من رفاق الجهاد. ذهبت الى المدرسة لأبرر للإدارة وأنا ممتلئة بالفرحة من فعلته". عن آخر اللحظات تقول "ياسر في زيارته الأخيرة قبل استشهاده، جاء الى المنزل بينما كنت أنا في ضيعتي في بعلبك أقضي فترة عطلة الصيف. ن
ظّف البيت، ورتّبه، وأزال عنه ما تجمع في فترة غيابنا. عندما وصلني خبر استشهاد ياسر، عدت من بعلبك الى البيت وأنا في هاجس كيف استقبل المهنئين بحالة البيت المهملة، فتحت الباب فوجدت كل شيء مرتبًا، ونظيفًا وعلى ما يرام، وجاهزًا لاستقبال المحبين المهنئين. ربما كان يعلم بذلك المشهد، وربما أصر حتى آخر لحظات حياته، أن يكون الابن المرضي العزيز". رفيقا الشهادة تختصر والدة الشهيد ياسر صداقة الشهيدين بالقول: "في كل صورة لهما حكاية".
ثم تصف العلاقة بأنها سحرية "كان حسن أخًا لياسر وليس مجرد صديق أو معرفة أو عمل ..". أم الشهيد حسن زبيب تملك تفسيرًا آخر، متكاملًا مع تفسير والدة الشهيد ياسر. تجزم والدة الشهيد حسن، بأن "العلاقة بين ياسر وحسن كانت مسيرة من الخالق القادر، منذ الصغر والله يتحكم بمفاصل حياتهما، ويسير بهما من مرتبة إلى أعلى، حتى وصلا إلى ذروة المراتب والعلى: الشهادة سوياً".
تتفق الوالدتان على أن صوت حسن وياسر متشابهان "النبرة والصوت، وحتى الشخصية، كأنهما توأمان". تضيف تكشف والدة الشهيد ياسر لـ"العهد": "هذا ليس كل شيء، هذا ما نعرفه عنهما، بينما كانا يعيشان تفاصيل الحياة سوياً، وقد علمنا لاحقاً أن الشهيدين كانا يقومان ببعض الأعمال الخيرية، ويقدمان المساعدات المالية لحالات مرضية، من دون التعريف باسميهما، تحت مسمى صدقة السر".
ثم تروي والدة الشهيد حسن لموقع "العهد" أروع ما يمكن أن يُسمع عن سوح الجهاد: "عندما بدأت تصل أخبار الضربة في سوريا، علمت والدة ياسر باستشهاد ابني حسن، صارت تبكي وبقوة وحرقة. كان بكاؤها شديدًا، فحاول المحيطون بها التهدئة من روعها.
كانت تردد دائماً عبارة، كيف سيكمل ابني ياسر الحياة بعيداً عنك يا حسن، إلى أن وصل خبر استشهاد ابنها ياسر مع حسن في نفس الضربة، فهدأت، واستكانت لأمر الله، وعزّت نفسها بأن رفيقي العمر لم يفترقا .. حتى فارقا الروح معاً".