إنَّ سيدنا إبراهيم (ع) الذي ينسب إليه هذا العيد هو مؤسس الإيثار، فصورة العمل شيء، ومعناه ومحتواه شيء آخر، صورة العمل هنا مشكلة تحتاج إلى حل وهو أمر فوق طاقة البشر، ولكن الذي جعل من إبراهيم شخصية عظيمة هو السير والسلوك الذي تفضّل به والذي انتهى إلى هذه الأمور.
إبراهيم الذي بحسب رواياتنا الشريفة حين كان يتوجه صوب النار، سألته الملائكة عما إذا كان في حاجة إلى شيء قال: أمّا إليكم فلا. كانت لديه وجهة أخرى من العلم والمعرفة، ونحن نرى ظاهر هذا العمل ونعجب له وهو أمر عجيب حقاً، أمّا أهل المعارف الإلهية فيرون باطنه، الأصل في أعمال الأنبياء على الإطلاق هو الجوهر. الصورة والشكل تتفق مع أعمالنا بحسب النوع. أولئك يصّلون ونحن نصلي، أولئك يصومون ونحن نصوم كذلك، أولئك يحجّون ونحن نحجّ أيضاً، أولئك يضحّون ونحن نضحّي كذلك، يقفون في المواقف ونحن نقف كذلك، هذه صورة مشتركة بيننا وبينهم. لكن الشيء الذي يجعل أعمالنا تختلف عن أعمالهم ـ كما تختلف أعمال بعضهم عن بعض ـ هو جوهر العمل الذي يستلهمونه من المبدأ، وأعمالهم هذه مستمدّة من ذلك الإلهام.
مسألة الوحي الذي لدى الأنبياء ـ وهذا متفاوت بينهم أيضاً ـ واحدة من الأمور المهمة التي لا يتمكن الإنسان من تصوّر ماهيّتها فالوسيط هو جبرائيل، ولكن أي وساطة وواسطة كان ينجزها جبرائيل؟ هل أنزله للنبّي وبولايته نزل؟ هل نزل الوحي مع جبرائيل وقام جبرائيل بإبلاغه؟ هذه هي المسائل التي يدور الحديث حولها.
صحيفة الإمام: ج19، ص47.
معنى العيد من منظار الأنبياء إنَّ قضية التضحية بالولد تمثل إحدى الأبواب التي ترتبط برؤية النوع البشري، وهي قضية مهمة لكن الشيء الذي يكون مبدأ هذا العمل هو الذي يحقق المقابلة بين الأب والابن.
هذه هي أمور قلبية وروحية ومعنوية وهي فوق الأمور التي نفهمها نحن. إننا نقول: إنه آثرَ وضحّي وقد حصل هذا حقّاً وهو أمر مهم ولكن هل كان هذا في نظر إبراهيم (ع) إيثاراً؟ وهل كان يرى أنه يقدم شيئاً عظيماً إلى الله؟ هل كان إسماعيل (سلام الله عليه)، يري أنه يقدم نفسه فداءً لله؟ أم أن الأمر ليس كذلك. فما دامت الإنسانية موجودة والإنسان نفسه موجوداً فالإيثار موجود باسمه. أنا أضحّي بابني في سبيل الله، أضحّي بنفسي في سبيل الله.
هذا هو المهم بالنسبة لنا ومهم جدّاً، أما بالنسبة لإبراهيم (ع) فليس هذا بالأمر المهم ولا يعتبره إيثاراً. إبراهيم لم يجد نفسه شيئاً ليعتبر عمله تضحية. إسماعيل لم يعتبر نفسه شيئاً ليرى عمله إيثاراً وتضحية. الإيثار معناه أني موجود وأنت موجود وعملي من أجلك ومن أجل الإيثار. هذا في نظر العظماء وأهل المعرفة وأولياء الله شرك، وفي نظرنا نحن ـ في الوقت نفسه ـ كمال كبير وإيثار عظيم.
العيد بالنسبة لنا له معنى، لكنه بالنسبة لإبراهيم وللأنبياء له معنى آخر. نحن نعيّد أمّا أولئك فيعيدون عيد اللقاء. أولئك يعودون إلى المكان الذي ظهروا منه ويعيّدون لهذا الأمر، طبعاً بعد إعادة اسمه- معنى السير والسلوك الإلهي ـ يكون عيداً، وأبعاده المعنوية كثيرة جداً لا تصل أيدينا إليها، وأبعاده السياسية والاجتماعية كانت وما تزال كثيرة أيضاً ونتمنى ازديادها. آمل أن يعود المسلمون إلى رشدهم، ويكسبوا من هذه العبارات التي قرّرها الله تعالى لهم سيراً معنوياً واستنباطات سياسية وعملية.
صحيفة الإمام: ج19، ص 45.