ترتبط مسيرة المرأة في حزب الله بالتعاليم الإلهية المنزلة وحيث يمثّل الدين من منظورها مظهراً من مظاهر لطف الله تعالى بالإنسان، وأثراً من آثار الرحمة الربّانية التي احتضنت المجتمع البشري عبر سلسلة طويلة من الرسالات، تعاقبت وتكاملت فيما بينها بما يتناسب وعملية تطور وتصويب المسار الإنساني..
بحيث أن رسل الله وأنبيائه واكبوا البشرية منذ فجر التاريخ منذ عهد النبي آدم(ع) إلى عصر النبي محمد(ص) الذي بعثه الله بالرسالة الخاتمة التي اكتمل الدين بتمامها، قال الله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإإسلام دينا"، المائدة 3. "قولوا امنا بالله وبما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون".
فهي في مسيرة الإسلام لله، وموكب الدين الواحد الموحّد، الذي لا عصبية معه ولا تعصب، لا تمييز ولا إكراه ولا تبعية وتقليد ذميم بل تفكر وتعقل وتجرد وانفتاح على مستوى الإنسانية بأسرها، باعتبار أن تشريعات الدين التي هي الصياغة القانونية لقواعد الحياة والطبيعة الإنسانية- لم تشرّع لمصلحة فريق أو فئة دون غيرها، لأنها أساساً تنطلق من نظرة واقعية تكوينية تقوم على الإيمان بوحدة النوع الإنساني، وبأن الناس ينتمون إلى أصل بشري واحد وبأن حقيقة الإنسان هي بروحه التي لا تخضع –للمذكر والمؤنث- وليست بجسده الذي ليس إلا وسيلة، قال تعالى في كتابه الكريم:"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة "،
"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إت أكرمكم عند الله أتقاكم"، "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان "-الإنسان الرجل والمرأة. "المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، وإن المعروف كما عرفه الفقهاء هو كل ما أوجبه الإسلام من تبليغ الرسالة إلى إقامة العدل في كل الميادين، وإن المنكر -الذي نهى عنه- هو كل فساد.
وعليه فإن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تجيز للمرأة التقاعس عن دفع المنكرات في المجتمع بأنواعها وإقرار الخير وإقامة المعروف وأنه عبر هذه المسؤولية الكبرى تكرّس دور المرأة وأعطيت كما أعطي الرجل موقعا أساسيا في ملاحظة وإدارة الوضع الإجتماعي والثقافي والسياسي... بهذا الوضوح خاطبت التعاليم الإلهية المجتمع الإنساني عاملة على انتشال المرأة من محدودية موقع الأنثى لتدفع بها إلى الأفق الأرحب كإنسان وتجعلها كما الرجل مسؤول عن النفس والناس، غير أن هذه الصورة التي انكفأت مع عصور الإنحراف والفساد والظلم، عادت مع انبعاث الصحوة الإسلامية ومن ثم إنتصار الثورة الإسلامية، لتشق طريقها سريعا من خلال الإلتزام بالتطبيق العملي الذي كسرت به مدرسة الإمام الخميني الفاصل الزمني وأعادت ربط المسيرة بجذورها مخرجة مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحديدا، من الدائرة الشخصية إلى الدائرة العامة ليكون من مسائل مواجهة الإنحراف على كل المستويات،
باعتبار أنه لا يحق لأي فرد من أفراد المجتمع –رجلا أم امرأة – الإنسحاب من ميادين العمل المختلفة من إجتماعية وثقافية وسياسية..، وبالتالي ترك هذه الفريضة التي هي واجب على الأمة بجميع أفرادها وطبقاتها... بقول الإمام بهذا الصدد (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلان وركنان من أهم أركان الإسلام يُصلح بهما كل ما يراد إصلاحه. أي أن الإسلام من خلال هذين الركنين الأصيلين يريد أن يحول المجتمع إلى مجتمع صالح، فطالب الجميع بهما دون استثناء).صحيفة النور/جزء14/ص119 من هنا يمكن القول أن انعكاس الإسلام كنهج على جدّية حركة المرأة في أوساطنا بالخصوص برز مع بدء الصحوة وانتصار الثورة..
واشتد فعلياً مع بدء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 اي مع تشكل النواة الأولى للمقاومة الإسلامية، إثر المواجهات الحادة التي اندلعت، وحيث أن المرأة في هذه الأثناء نهضت لتدق باب الجهاد بكلتا يديها مستعيدة مع المبادرة الذاتية وازع الإلتزام الديني، لذا مضت آمنة مطمئنة تستقبل، تدفع الشدائد والمصاعب والمحن بإرادة أبية وصبر قل نظيره. فكان أن أعطت بسخاء، وبذلت من التضحيات ما لا حدود له.
وسعت بقوة من اللحظات الأولى للإجتياح لعدم تمكين العدو من اقتناص ما بيدها من فرصة وجهد، مفوتة عليه ما تمنى من مظاهر الإحباط واليأس، راسمة عبر حركة نشاطها الدؤوب المواكب لحركة المجاهدين –إخوة كانوا أم أبناء أم زواج- صورة فذة عن تكامل الأدوار. فهي معهم وبينهم ومن حولهم تساعدهم وتمدهم وتعينهم، وهي هناك تراقب وترصد لتفشيل عمليات الدهم المفاجئ، مندفعة مع صغارها إلى الساحات العامة للإعتصام والتظاهر ، مواجهة بالحجارة إقتحام اليات العدو على مداخل البلدات والقرى عاملة على صب الزيت المغلي على رؤوس الغزاة من أسطح المنازل، إضافة إلى أصص(أواني) الزرع من الشرفات، محدثة مع عمليات المقاومة الضاغطة حالة إرباك هائلة أمام تحركات العدو، وقد عبر –دايان- حينها عن واقع الحال بقوله (بدخولنا إلى لبنان أخرجنا المارد من القمقم)، وقال أحد رجالاتهم العائدين عام 83 (لقد كنا هناك وكأننا على كوكب اخر لا ندري كيف نواجه ما يدور حولنا).
وأنه بقدر ما أضاء جهاد المجاهدين فضاء مجتمعاتنا، وأعاد حشد الذاكرة بصور وشعارات وثوابت تؤكد على ديمومة الصراع مع العدو، وحتمية الإنتصار عليه مع التوحد والإعداد، فإنه أيضا أعاد تشكيل وتمتين الضوابط والروابط والعلاقات والصلات الحميمة بين عناصر المجتمع بشكل عام وأفراد العائلة بشكل خاص، مرتفعا بالجميع من صغائر الأمور –التي شغلت كثيرين- إلى كبارها موجداً ذلك اللون البديع من التكامل في الأدوار بين الصغار والكبار والرجال والنساء. التكامل الذي تصان به طاقات الوطن، وتتحول الأسر إلى قلاع منيعة من الصعب اختراقها. من هنا يأتي القول بأن أعظم ما حصل في لبنان في 25 أيار من العام 2000 ليس هو الإنتصار العسكري، وإنما الإنتصار الأخلاقي والتربوي والمنهجي، باعتبار أن وضوح الرؤية الدينية شكل مصدرا وركيزة للنهوض في مجتمعاتنا.
فالمرأة مع الإلتزام بتعاليم الإسلام نهضت وهي أكثر إدراكا لعدوها ولدورها وأكثر تحسسا لمسؤولية الجهاد كتكليف شرعي، باتت تعي أن واجبها في حال الجهاد الدفاعي أن تنهض بما لديها من وسائل وأسباب لتحطم طغيان هذا العدو، عاملة على تحقيق أعلى درجات الحيطة والحذر لكل ما يدور حولها وصولا إلى تحصين الأسرة من الإختراقات، مكرسة حالة من الإستنفار الدائم لتلبية أي أمر يصب في نصرة المقاومة. لذا فإن هذه المرأة لم تقف في زوج زوج أو إبن أو أخ، وإنما كانت المحفز والساعد الأيمن له. وأنه بالإلتفات إلى عدد الأسيرات الملتزمات فإننا نجد أن الرقم وصل إلى 400 أسيرة، تتراوح أعمارهن ما بين 13 و70 عاما، بينهن 20 امرأة اعتقلن اثناء الحمل و25 امرأة مع أطفالهن من عمر شهرين إلى خمسة أشهر. أما فترة الأسر فتتراوح ما بين يوم واحد إلى إلى 9 سنوات، وحيث عانين من أصناف التعذيب ومن الجلد والتركيع والكهرباء والتعذيب النفسي، إلا أنهن خرجن وهن أكثر إباء وشموخا واعتزازا... أيضا،
في ظل الإلتزام بات للإستشهاد نكهة خاصة في ربوع الأمهات والأخوات والزوجات، إذ بلغ تعداد الأمهات اللواتي بذلن فلذات الأكباد 2284 أم شهيد وحيث تركت كل منهن لفتات سجلها التاريخ بأحرف من نور سواء في مواكبتها للجهاد ولدها او مع استقبال نبأ استشهاده. وهذا عدا الشهيدات والجريحات وأمهات وزوجات المجاهدين من ذوي الإعاقة الكاملة. ما قدمته المرأة المقاومة من تضحيات سيبقى أمثولة في التاريخ المعاصر، باعتبار ان حضورها لم يكن إستعراضيا أو إعلاميا، ولذا تعددت نشاطاتها على ضوء الحاجة وانتقلت في أدائها من دائرة إلى دائرة، ومن شريحة إلى أخرى، ومن عمل إلى غيره ساعية باستمرار إلى تطوير أساليب نشاطها. وإن الإحصائيات وعلى أكثر من صعيد تنبئ بمدى فعاليتها، وتبرز حجم النهوض على مستوى التحصيل العلمي، والعمل الوظيفي والتطوعي، وتظهر جليا نسبة الإرتفاع الهائل للطالبات في الثانويات والمهنيات والجامعات وميادين التخصصات المختلفة،
وإضافة إلى الإنخراط المكثف في العمل المؤسسي بشكل عام الإداري والصحي والمهني والتربوي منه خاصة، ومراكز الدراسات والبحوث إذ لا تخلو مؤسسة من مؤسسات حزب الله من مساهمة الفعاليات النسائية إضافة إلى تخرّج العديدات سنويا في مجال الطبابة والهندسة والإعلام والحقوق والعلوم الإنسانية وغيرها، سواء من الجامعات الأجنبية أو المحلية. أما على صعيد المؤسسات الإعلامية، فهي تحتل مكانة مرموقة في إذاعة النور وتلفزيون المنار ومجلة الإنتقاد، ومختلف المراكز والمؤسسات الإعلامية العامة منها والخاصة. أما على الصعيد التطوعي، فهناك أعداد كثيرة تساهم مع مؤسسة الشهيد في رعاية شؤون أبناء الشهداء وعوائلهم في سائر المناطق،
إضافة إلى أعداد أخرى تساهم عبر جمعية الإمداد لتلبية المحتاجين وتحسين أوضاعهم. أما النشاطات الأخرى امختلفة والتي منها:
أولا:عمل الهيئات النسائية في حزب الله والذي يعتمد على:
أ-التعبئة الثقافية، ويركز فيها على الدورات الثقافية والندوات والمحاضرات والإحتفالات وتنمية الحس الوطني.
ب-التدريب على الإسعاف الأولي بهدف تنمية القدرات والمبادرات الفردية.
ج-العمل على محو الأمية، والتدريب على المهارات الفنية والحرفية.
د-نشاط لجان المؤازرة لزيارة وتفقد عوائل الشهداة أسبوعيا بمشاركة زوجات العلماء والمسؤولين والفعاليات النسائية.
ه-الإهتمام بالمشاكل البيئية والصحية والإجتماعية وإقامة المعارض والندوات بهذا الصدد.
و-الإهتمام بالدورات والنشاطات الصيفية للفتيات والأطفال.
ثانيا:العمل الكشفي(فرع الأخوات) ونشاطاته الترفيهية المنوعة شتاء وصيفا.
ثالثا:عمل التعبئة التربوية(فرع الأخوات) على مستوى الثانويات والجامعات.
رابعا:عمل الحوزات والمعاهد الدينية النسائية، ونشاطاتها التبليغية، مضافا إليه عمل قارئات المجالس الحسينية.
خامسا:عمل مديرية الأنشطة في هيئة دهم المقاومة(فرع الأخوات) والتي تتولى توزيع قجة (أو حصالة) المقاومة على المنازل في سائر المناطق بهدف إفساح المجال لجميع المتطلعين إلى دعم المقاومة، وهذا إضافة إلى المعارض السنوية والإفطارات والهدايا التموينية للمقاومين.
سادسا:المشاركة في المؤتمرات العالمية والإسلامية والعربية النسائية منها خاصة والتي منها مؤتمر المرأة العالمي في بكين، ومؤتمر الحضارة الإسلامية والأوروبية في فرنسا وغيرها في بريطانياوأندونيسيا وإيطاليا وإيران وعدد من الدول العربية، وذلك للمشاركة في محاور الأبحاث التي تتناول مختلف شؤون المرأة، ولعرض ما يتعرض له لبنان من تدمير وتهجير ومجازر وإرهاب متواصل من قبل العدو الصهيوني.
وإلى هذا يبقى حضورها الميداني ودورها المباشر الفعال في ماكينة العمل للإنتخابات النيابية والبلدية والنتائج الإيجابية لدورها الكبير على هذا الصعيد. أخيرا، قد يقال أين هي المرأة في مواقع صنع القرار؟
ونجيب بأن الأسس الأخلاقية التي ينطلق منها الإنسان الرجل والمرأة في حزب الله جزء هام منها التفاني والذوبان والإبتعاد عن المظاهر والسمعة. اين كانت المرأة وأين كان الرجل؟ من أدى هذا ومن أنجز ذاك؟ لا يغير في المعنويات شيئا باعتبار أن المرأة في حزب اله ليست بعيدة، ولا مبعدة عن مواقع صنع القرار بل هي في صميمها. وإن مساهمتها الفعلية بتشكيل الإرادة الشعبية العارمة وإسقاط كل عوامل التيئيس والإحباط وثقافة الأستسلام التي توجت باندحار الإحتلال الإسرائيلي المخزي عن أرض وطننا العزيز لبنان في 25 أيار 2000، وبتحقق أول انتصار تاريخي كبير منذ وجد الكيان الصهيوني الغاصب، لكافية بالكشف عن تجربة نموذجية للمرأة المعاصرة التي تتطلع للمشاركة الفعلية في صنع تاريخ عزيز لوطنها وغد مشرق كريم لمجتمعها.
عفاف الحكيم 3/5/2002 مقالة وردت في كتاب الأديب فضيل أبو النصر حول شهادات من حزب الله