يروى أن شخصاً وامرأته تزوجا وعاشا ردحاً من الزمن دون أن يرزقا بولد... وبعد طول انتظار... وبعد أن كاد اليأس يستولي عليهما من أي علاج أو طب... أضاء قنديل الأمل في ذلك البيت وانطلق منه صوت بكاء وليد كأنه الموسيقى في سمع الوالدين... وصوت يقول خذ ابنك مبروك فأخذه الوالد وغمره بكل الود والحنان... ومرت الأيام يسابق بعضها بعضاً والولد في أحضان أبويه يتغذى مع اللبن الحنان والعطف...
لم يشعر الولد يوماً بأنه محتاج إلى شيء... فكل ما يريده حاضر. وجرت الأيام في سنتها على ذلك البيت فانطفأ قنديل الأمومة ليضيء في العالم الاخر... لكن الوالد موجود... ليعوضه بعضاً من حنانها... وتزوج الولد وكبر الوالد وشاخ... ولأن الوالد لا يرفض لولده طلباً فقد وهبه جميع ما يملك... وأخذت معاملة الولد تتغير مع والده ثم رزق الولد بابن رأى فيه جده تعويضاً عما فقده في ابنه فأخذ يرعاه ويعلمه ويروي له الحكايات... وفجأة وبلا مبرر قرر الولد وزوجته نقل سكن الوالد إلى "القبو" لأن البيت لم يعد يتسع لهم جميعاً هكذا قالا... وظل الحفيد يقضي جل وقته مع جده ويرجوه أن يسمح له بالنوم معه والجد يرفض فالمكان رطب وغير صحي!!!
لم يعد مسموحاً له الجلوس مع العائلة على نفس المائدة. لأن الزوجة تتقزز من رؤية الجد يأكل معهما وهو يرتجف اليدين نتيجة ثقل السنين... ولكن الولد صار يبعث الطعام لوالده على طبق أصر الحفيد على أن يكون هو من يحمله... وفي إحدى المرات وبينما كان الأب يأكل في صحن زجاجي كالعادة... ارتجفت يداه أكثر من أي مرة وهوى الصحن بما فيه إلى الأرض لينكسر تحت مرأى الولد وزوجته والحفيد فهرع الحفيد مطمئناً على جده... الحمد للَّه لم يصب بأذى فغمر جده وتعانقا وفجأة يعلو صراخ الزوجة موبخاً حماها على كسر الصحن والابن يحاول تهدئة الزوجة التي انهالت بالشتائم على الأب واتهمته بأنه لا يعمل شيئاً سوى إصابة هذا المنزل وأهله بالخسائر ودعت اللَّه أن يأخذه سريعاً...
هذا والولد يحاول تهدئة روعها ومواساتها لخسارتها الكبيرة!!! دون أن ينظر إلى أبيه بأي نظرة تواسيه على ما يقاسي من زوجته ذات اللسان السليط... وجاء القرار بأنه بعد اليوم لن يقدم الطعام إلى الأب بالانية المنزلية فأخذ الابن يصنع للأب هذا الوعاء من مستوعب(علبة) من التنك كالتي تستعمل لتقديم الطعام للحيوانات كل هذا يجري وعين الحفيد تلتقط المشهد وتسجله في الذاكرة وأشد ما أثر فيه رؤية عيني الجد وقد امتلأت دموعاً الذي تمنى لو أن الموت يأتيه سريعاً ليريح... ويرتاح... وبعد أيام لم ترق إلى أكثر من شهر... جاء الولد وزوجته من جولة لهما في الأسواق بعد ظهر أحد الأيام ودخلا الحديقة وهما يحملان الطعام والشراب والهدايا لولدهما وأخذا يبحثان عن ابنهما متخفيين ليفاجاه بالهدايا...
فرأيا الولد يعالج شيئاً بين يديه... فاقترب أبوه وناداه تعال يا بني انظر ماذا أحضرنا لك... مفاجأة... هدايا وألعاب وحلوى... والولد يخفي شيئاً وراء ظهره.. وقال: أنا أيضاً لدي لكما أنت وأمي مفاجأة... وأخرج ما كان يخفي خلف ظهره وقال: هاه!.. فإذا هي علبة من تنك كالتي صنعها أبوه لجده!!!