للامام موسى بن جعفر عليهما السلام حديث طويل حول العقل والعاقل مع هشام بن الحكم، وأول فضيلة يذكرها للانسان العاقل، عبارة عن حريته وحسن اختياره. وفهو يقول: "يا هشام: إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه قال: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾(الزمر:17-18).
إن الحرية المطلقة والاختيار الكامل الذي لا يحده شرط أو قيد إنما يختصان بذات الله فقط: ﴿كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء﴾(آل عمران:40).
لقد أراد الله للحيوانات عند خلقها أن تكون فاقدة للارادة والاختيار وأن تطبق مراسم الهداية التكوينية بدون أي اعتراض، لكنه تعلقت إرادته في مورد خاص أن يخلق موجوداً مالكاً للارادة والاختيار، ويمنحه شيئاً من الحرية والقدرة...
فخلق الانسان ووهبه العقل، وأبصره بطريق السعادة والشقاء، وأعطاه الحرية في مقام العمل، حتى يستطيع الذهاب إلى أي اتجاه أراد باختياره.
وهب أن بنية الانسان تتكون من نفس العناصر الأولية لهذا العالم وبالرغم من أنه يشترك مع عالم النبات والحيوان في صفات طبيعية كثيرة ولكنه يمتاز عنها بمزية تجعله لائقاً لتحمل مسؤولية الحرية والاختيار.
ففي الانسان توجد ثروة خاصة، وكنز إلهي دفين، وشعلة نيرة، وروح سماوية تجعله يرتقي على جميع الموجودات في الطبيعة. يتحدث الله تعالى في القرآن الكريم للملائكة عن إرادته لخلق الانسان فيقول: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾(الحجر:29).
المصدر: *الطفل بين الوراثة والتربية، محمد تقي فلسفي، الأعلمي ط3، 2002م، ج1، ص175-198.