المانع الأول:
الديون التي في الذمَّة: فثَّمة من لا يتأهَّل لحضور ضيافة الله عز وجل -رغم إدراكه لشهر الله الكريم-؛ وذلك لأنَّ عليه ديوناً لله ?تبارك وتعالى-، وفي ذمته حقوقٌ لم يؤدِّها، فكم من تجاوزٍ لحدٍّ من حدود هذا المُضيِّف قد فعل؟ وكم من موبقةٍ قد ارتكب؟ وكم من حقٍّ من حقوق هذا المُضيِّف قد انتهك؟ فهذا لا يتأهَّل لضيافة الله -عزَّ وجلَّ-، لأنَّ عليه ديوناً تمنعه مِن أَن يتأهَّل لهذه الدعوة.
المانع الثاني:
مخالفة المولى وإغضابه: وإذا كان بيني وبين الله تعالى مُحادَّة، ومشاقَّة، وعناد.. يأمر الله بشيءٍ فأفعل ما يُخالف أمره. يقول إنِّي أسخطُ من هذا الفعل، فأرتكب ما يُسخِطه، لا أبالي أَسَخِطَ اللهُ أم رضي، في كلِّ يومٍ أُغضبُ ربِّي عليَّ، أتراني مُؤهَّلا لضيافة الله؟! لن أكون مُؤهَّلا -وإن أدركتُ شهر الله-.
المانع الثالث:
الانشغال بالدنيا: أو أنَّ علائقي بالدنيا وثيقة، والتزاماتي كثيرة، فذهني مشغول بشؤون وشؤون لا علاقة لها بالله، ولا بالآخرة، ولا بالثواب والعقاب، وكأنِّي لستُ معنيًّا بوعد الله، ولا بوعيده.. ثمَّة مصالح أسعى من أجل تحصيلها، وثمَّة علائق أسعى لتوطيدها، فلا شأن لي بدعوة الله، ولا ضيافة الله، ولستُ مهتمّاً أجاء شهر رمضان أو ذهب، فلستُ مؤهَّلا لأن أكون ضيفاً عند الرحمن جلَّ وعلا.
المانع الرابع:
اتساخ الثياب بالذنوب ولو كانت ثيابي مُتَّسخةً فلن أذهب أيضا.. وكذلك مَن هو مُلوَّثٌ بالذنوب، مُلوثٌ بالمعاصي، مغموسٌ في القذارات، وفي الرذائل، من رأسه إلى أخمص قدميه فإنه لن يحضر إلى محفل الطَّاهرين أصحاب الثياب النقيَّة، أصحاب القلوب الصَّافية، أصحاب الألسن التي لا تقطُر إلَّا بما هو طيِّب، أصحاب المشاعر التي لا تحمل حقداً ولاضغينةً، ولا حسداً، أصحاب الخُطى التي لا تسعى إلَّا في رضا الله.. لا محلّ للعصاة بين هؤلاء.
المانع الخامس:
فقدان الوسيلة إلى الله: وقد يمنعني عن التأهُّل لضيافة الله- عز اسمه وتقدّس-، أنِّي لا أملك ما يُوصلني لضيافة الله، مقام ضيافة الله من المقامات العالية وليس كلُّ أحدٍ يتوفّق لنيلها، وإنما ينالها من كان واجداً لمجموعة من الصفات، فتلك الصفات هي دابَّتي الى محفل الله وضيافته، فإن لم أكن أملك تلك الدابَّة فعندئذٍ لن أصل.
فشعبان، فرصة لرفع الموانع والتأهُّل لضيافة الله: فهو في شهر رسول الله (ص)
?شهر شعبان-، وهو شهره (ص)؛ لأنه هو الشفيع المُشفَّع في هذا الشهر، وهو من يوزع الدَّعوات، ويُحدِّد مَن هو المقبول، ومن هو غير المقبول، وهذا هو معنى ما أفاده (ص) من أنَّ هذا الشهر هو شهري.
وشهر رسول الله (ص) يُوطِّأ لك ?عند ما تستنَّ بسُنَّته- الدخول في شهر الله، و في ضيافته. رسول الله (ص) قال بأنّ كلَّ تلك الموانع يمكن أن تنتفي، وتكون بذلك مُؤهَّلاً لدخول ذلك الشهر الكريم.. لو كانت ثيابُك مُتَّسخة، فاستبدلها بثيابٍ نظيفة نقيَّة، وليس سوى التَّوبة، فإنَّ و"التَّائب من الذَّنب، كمن لا ذنب له" (2). التوبة.. رافع للموانع، ومؤهِّل للضيافة: وعندما تتوب تنتقل مباشرة إلى ضيافة الله ?عزَّ وجلَّ-،
يعني في بعض الأحيان ينتفي المانع، ولكن يحتاج الإنسان إلى شيءٍ آخر، ووسيلةٍ أخرى تُوصله إلى غرضه، وأما التوبة فليست كذلك؛ فإنها تنفي المانع، وفي ذاتِ الوقت تحملك إلى غايتك، فتصبح -بعد أن كنتَ ممقوتاً، مغضوباً عليك، مسخوطاً عليك- تُصبح محبوباً لله، ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾(3)، فتكون توبتُك نافيةً للسخط الإلهي ومعراجاً يصعد بك إلى الله-عزَّ اسمه وتقدّس-، فتكون حبيبَ الله.
التَّوابون أحبَّاء الله -عز اسمه وتقدس-، ويبتهج بهم -بما يناسب شأنه-، يبتهج بالتائب -كما ورد في الرواية- كابتهاج العقيم عندما تلد! وورد أنه ?عزَّوجلَّ- أشدُّ فرحاً وابتهاجاً من رجلٍ كان في فلاةٍ مترامية الأطراف، وقد ضلَّ الطريق، ثم وجده. ايُّ بهجةٍ تنتاب هذا الرجل؟
بعد أن كان في فلاته تائهاً لا يدري أين طريقه؟
ثم وجد الطَّريق، أو وجد من يُوصله.. إنَّ الله تعالى أشدُّ فرحاً بالتَّائب من هذا الذي وجد ضالته وطريقه. وأيضاً تصوروا لو أنَّ رجلاً ظامئٌ عطِشٌ، لا يجد ما يروي به غليله، ويكاد يُشرف على الهلاك، ثم يجدُ ماءاً بارداً، فأيُّ فرحةٍ، وأيُّ بهجةٍ تنتاب هذا الرجل؟ إن الله -عزَّ اسمه وتقدًّس- أشد فرحاً بالتائب من هذا الظاميء الذي وجد الماء. إذن يمكن أن ننفي كلَّ هذه الموانع، ونتأهَّل لضيافة الله -عزَّ اسمه وتقدَّس- بأن نرجع إلى الله، ونؤوب إليه، ونتوب إليه توبة نصوحا.
الشيخ محمد صنقور