حقيقة البعثة:
يقول المولى عزّ وجلّ: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾. (الجمعة:2) إنّ يوم المبعث النبويّ الشريف هو يوم عظيم كان مبدأ إتمام النعمة وإكمال الدين الإلهيّ للبشريّة ولولا وجود شخصيّة كالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وقلب كقلبه النورانيّ في ذلك الزمن، لَمَا كان لهذه النعمة محلّ ليفيض المولى الكريم عبرها إلى البشريّة أعظم نعمة.
يقول الإمام القائد مدّ ظلّه العالي: "إنّ ينبوع البعثة الذي تفجّر في مثل هذا اليوم في قلب الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم له مسار بالغ الأهمّيّة... حيث سطع نور إلهيّ وأشرق في قلب إنسان بارز واستثنائيّ، هذه هي الخطوة الأولى وبداية المهمّة ولا شكّ أنّ هذا أهمّ جوانب القضيّة، فإشراقة هذا النور في قلب الرسول وتحمّله لمسؤوليّة الوحي تعكس بشكل صريح ذلك البعد الذي يربط الخلقة وعالم وجود الإنسان والعالم المادّيّ بمعدن الغيب وها هنا حلقة الوصل".
ولهذا فإنّ القائد يعتبر "أنّ يوم البعثة هو أعظم يوم في تاريخ البشريّة، حيث ولادة أبرز وأشرف المفاهيم والقيم، لقد كانت بعثة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حركة عمليّة لإيصال البشريّة إلى الكمال الفرديّ والروحيّ والمعنويّ من جهة، ورقيّ الحياة الاجتماعيّة وإصلاح المجتمعات من جهة أخرى".
أهداف البعثة:
يقول سماحة القائد الخامنئي مدّ ظلّه العالي: "لقد كان لهذه الحادثة منذ وقوعها هدفان واضحان:
الأوّل: هو إيجاد حالة باطنيّة روحانيّة ونفسيّة في توجيه باطن الإنسان نحو الله أي الإيمان والتوجّه نحو ربّ العالمين أو بتعبير الكثير من الآيات القرآنية(الذكر) فما يهبه الباري تعالى للناس عن طريق البعثة هو الذكْر والتذكّر" ثمّ يكمل سماحته موضحاً:
"إنّ مفتاح جميع الإصلاحات والسعادات في العالم المادّيّ اليوم هو توجّه الناس إلى أنفسهم، والتذكّر والبحث عن هدف الخلق وعمّا هو وراء هذه المظاهر المادّيّة للحياة، أي الأكل والنوم والشهوات والسلطة وحبّ المال وأمثالها، فجذور الفساد هي عدم التوجّه إلى الباطن الحقيقيّ للعالم، وهذا هو رمز ومعنى وجوهر الحياة، أي التوجّه إلى المبدأ وإلى التكليف والإصغاء إلى أوامر مبدأ حاكم له سلطة غيبيّة وبتعبير القرآن الكريم الإيمان بالغيب ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾( البقرة:3) ،
ثمّ يتابع مبيّناً الهدف الثاني قائلاً: "والهدف الثاني الذي سعى إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنذ اللحظة الأولى هو إيجاد بيئة سليمة لحياة الإنسان، بيئة لا يسودها الظلم ولا يسحق فيها القويُّ الضعيفَ ولا يشعر الضعفاء بالفشل المطلق ولا يحكمها قانون الغاب، أي ما يطلق عليه في مفاهيم القرآن والأحاديث بالقسط والعدل أي العدالة والأمل والهدف للبشريّة منذ بدء التاريخ البشريّ".
ويتابع قائلا "فأوّل هدف للأنبياء إلى جانب الذكْر هو استقرار العدالة، وهذان هدفان رئيسيّان، طبعاً إن الذكْر هو أهمّ، فهو الأصل والأساس، فإن حدثت الغفلة فلا تجدي حتى العدالة بعد ذلك شيئاً، ولا تتحققّ أيضاً، لهذا فقد رأيتم الأنشطة التي رفعت شعار العدالة الاجتماعيّة لم تستطع تحقيق شيء من العدالة الاجتماعيّة في مجتمعاتها، نعم حقّقت أشياء أخرى كارتياد الفضاء وصناعة الصواريخ العابرة للقارات، لكنّها عجزت عن تحقيق العدالة الاجتماعيّة لأنّ العدالة الاجتماعيّة تتحقّق في ظلّ إصلاح البشر وإصلاح النفوس والبواطن وفي ظل الذكْر والتوجّه إلى الله".
ويختم الإمام الخامنئي مدّ ظله العالي: "إّننا عندما نحتفل بالبعثة النبوية فلأجل إحياء هذه الخصوصيّات وتخليد ذكرى الشخصيّات والنهج والحوادث لاستخلاص الدروس منها".