السد أو المانع والذي أضحى مصيبة في مجتمعاتنا المعاشة: هو المهر.
نسمع في بعض الأحيان بأن الأفراد يقولون بأن مهور فتياتهم عالية جدا وهذا مما يجعل الشاب يهرب من الزواج بعيداً،
إن الكثير من الفقهاء يشكلون على المهر، ويرجعون ذلك إلى نظر الشرع المقدس، أي لو اتفق أن يتقدم شخص لا يملك شيئاً فهل يمكن أن يقبل في ذمته مليوناً؟ إن أغلب الفقهاء يقولون: إن الشخص الذي لا يمتلك شيئاً لن يتأتى له أن يقبل مبلغا عاليا في ذمته، ويقول بعض الفقهاء: إن الذمة واسعة، ومن لم يكن لديه هذاى المبلغ ، لا يمكن أن يستحصل أحدٌ منه شيئاً، ولكنها ستبقى في ذمته.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم بصدد المهر: "تياسروا في الصداق، فإن الرجل ليعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكه"13.
إن فلاناً من الناس يحاول ربط هذا الفتى بمهر ثقيل كي يبقي على ابنته، ولو كان الفتى غير منسجمٍ مع تلك الفتاة، غير محب لها بالرغم من أنه يصرف لها ما تريد من الأموال، وهذا ما تريده أنت أيضاً، ويسمح لها بالذهاب أينما شاءت، وهذا ما يوافق هواك أيضاً، لكنه لا يتعامل مع ابنتك مثلما يتعامل الزوجان المحبّان، فتراه على سبيل المثال غير مجامل لابنتك كونه لا يحبها، ولا ينسجم معها، فما العمل حينذاك؟ وما الذي تستطيع فعله كي تجعل هذا الرجل يحبّها؟ إنّه لا يضربها، ولا يشتمها، لكنه عبوس، لا يرغب بالتحدث إليها بالمرة. وبمرور الأيام ستشعر البنت بأنها في زنزانة انفرادية،
وما إن تمضي السنة حتى نسمع تلك البنت تقول: أخرجوني من هذه الدار، سأتنازل عن كل شيء في سبيل أن يطلقني، وإن صداقي حلال له مقابل حريتي التي سلبت. لذا، أيها الآباء، أيتها الأمهات! إننا لا نوافق على تزويج فتياتكم بدون مهر، ولا نوافق أيضاً على تزويجهن بالملايين والمليارات، اجعلوا الأمر وسطاً فلا بأس من أن يكون المهر، نسخة من كتاب الله المجيد، وبضعة مسكوكات ذهبية بحيث لا تتجاوز الخمس، لا إفراط ولا تفريط. قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: ﴿لا يرى الجاهلُ إلاَّ مفرِطاً أو مُفَرِّطاً﴾14.
إن على المتقدم للخطبة أن يراعي شأن الفتاة، مثلما ينبغي للفتاة مراعاة شأن الفتى الخاطب، وما هو مقدار شأن الفتى أو شأن الفتاة؟.
إن الكثير من الأسر تساهم في توجيه ضربة روحية إلى الفتى والفتاة منذ الليلة الأولى التي جاء فيها الخاطب، لتصل في النهاية إلى كراهية ظاهرية ظانّين بأنهم يبيعون منزلاً فهذا يقول كم سعر هذه الدار، وآخر يقول إن الثمن عالٍ جداً ولا بأس من تخفيضه قليلاً، ليصلوا في النهاية إلى تعيين القيمة الأصلية لتباع الدار، ويستلم المبلغ. أما بالنسبة للخطوط، فالأمر على أيامنا هذه لا يختلف كثيراً عن وضعية بيع وشراء الدار، يجلس أهل العروس في مواجهة أهل العريس، فيسأل أهل العريس عن قيمة المهر؟
فيقال لهم: مليارد! فيجيبون: ما الذي حدث؟ خفضوا الثمن قليلاً! وقد تحتد لهجة الحديث في بعض الأحيان، لتبرز حالة من التجريح في البيت الأسري، وقد تصل تلك الحالة إلى قمتها فتكسر أركان المحبة التي كان يحملها الفتى لتلك الفتاة، والمحبة كما تعلمون مثلها كمثل الزجاجة إذا كسرت صعب التئامها. يتفق الجميع على الثمن، ويشرب العروسان عصير الفرح، ولكن يبقى شيء لا يمكن أن ينسى على مدى الدهر، ألا وهو عداوة أم العريس للعروس وأهلها، هذه العروس التي تسببت في أن يكون المهر بهذه الكيفية المضرة بابنها، وعندها لا يمكن أن تستقيم حياة تلك العروس ما دامت ترى أم عريسها المختلفة معها في كل شيء.
*الأخلاق البيتية، مظاهري، دار المحجة البيضاء، دار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله سلم، ط1، ص53-67.