روي أنّ هارون (الملقّب بالرشيد) طلب يومًا أن يسمع حديثًا من شخص أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجيء له برجل عجوز متداعٍ متهالك في غاية الضعف والوهن ولم يبق منه إلا الأنفاس في كومة عظام بالية.
وقد حملوه، وأتوا به إلى بلاط هارون في غاية العناية، وأدخلوه عليه فورًا، حتّى لا يفقد الحياة قبل اللقاء.
سُرَّ هارون، وسأله: أيّها العجوز، أرأيت النبيّ الأكرم ؟
قال: بلى.
قال هارون: متى رأيته ؟ ق
ال: أخذ أبي بيدي يومًا في طفولتي، واصطحبني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لم أدرك محضره حتّى رحل عن الدنيا.
قال هارون: أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا ذلك اليوم ؟
قال: بلى، سمعت من رسول الله ذلك اليوم أنّه قال: "يشيب ابن آدم، وتشيب معه خصلتان:الحرص وطول الأمل"
. فسُرّ هارون وأمر بإعطائه كيسًا من ذهب. وحينما أخرجوه رفع صوته في أنين واهن ضعيف: "ردّوني إلى هارون، فلديّ معه كلام". قالوا: لا مجال لك في ذلك، فأصرّ، فأرجعوه. قال لهارون: لديَّ سؤال، فقال له: قل. قال العجوز: أيّها السلطان، عطاؤك الذي تفضّلت به عليّ اليوم لهذه السنة فقط، أم هو عطاء يتجدَّد كلّ عام ؟
فضحك هارون وقال: صدق رسول الله: "يشيب ابن آدم وتشيب معه خصلتان: الحرص وطول الأمل"