إن من أهم القضايا التي تعرض لها العالم السُني في بداية القرن الثالث الهجري، وأدت به إلى التشتت والفرقة قضية الصراع على مسألة خلق القرآن أو قدمه.
وهذه المسألة أشاعها أحمد بن أبي داوود، وتبعه على ذلك المأمون الذي عمت الأمة فتنة كبرى في زمانه، وتبعه المعتصم والواثق بامتحان الناس بخلق القرآن.
وكأن هذه المسألة مسألة يتوقف عليها مصير الأمة الإسلامية. وسعى هؤلاء الحكام إلى إكراه جميع العلماء والمحدثين على الاعتقاد بخلق القرآن، وسميت هذه القضية تاريخياً باسم محنة القرآن. وكان أحمد بن حنبل على رأس أهل الحديث الذي يعتقدون بعدم خلق القرآن، وتعرض إثر ذلك للكثير من الضغط من جانب الحكومة العباسية.
وفي نفس الوقت لما جاء المتوكل من بعد المعتصم عاضد ابن حنبل وتآزرا على إنهاء القضية لصالح مذهب ابن حنبل. ولقد دخلت جميع المذاهب والفرق في ذلك المعترك، وأظهر كل واحد منها وجهة نظره الخاصة في هذا الموضوع. لكن روايات أهل البيت عليهم السلام
وآراء أصحاب الأئمة لم تبحث في هذه القضية بل التزموا الصمت إزاءها.
وقد بين الإمام الهادي عليه السلام الرأي السديد في هذه المناورة السياسية التي ابتدعتها السلطة؛ فقد روي عنه أنه كتب إلى بعض شيعته ببغداد: "بسم الله الرحمن الرحيم؛ عصمنا الله وإياك من الفتنة، فإن يفعل فأعظم بها نعمة وإلا يفعل فهي الهلكة. نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له وتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس الخالق إلا الله وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالين.
جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون"
وفي رواية عن الإمام الباقرعليه السلام يقول: "لا خالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الخالق" ومن الطبيعي أن مثل هذا الكتاب، وما شابهه من مواقف، أدى إلى عدم تورط الشيعة في هذه المحنة التي لا نهاية لها .
المصدر:بحوث في الحياة السياسية لأهل البيت عليهم السلام، سلسلة المعارف الإسلامية، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية