إنّ الموقف من غَيرة الزوجة على زوجها لا بُدَّ أن يراعى فيه منشأ غيرته، فقد يكون منشؤها الحبّ الذي أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام حينما سأله أحدهم: المرأة تغار على الرجل، تؤذيه؟ فأجاب عليه السلام:"ذلك من الحبّ"1.
فإذا كان الحبّ هو المنشأ الأساس فينبغي للمرأة أن تراعي عدم خروج الغيرة عن دائرة الكمال الذي هو أساس الحبّ كما ذكرنا سابق، وبالتالي عليها أن لا تجعل غيرتها منغِّصة للحياة الزوجية، فتصبح كالمرافق المزعج الذي يحبس أنفاس مرافقه، فيشعر كأنَّه يتحرك بين أسلاك كهربائية ضيِّقة. فإذا أصبحت المرأة كذلك، فلا بُدَّ من البحث عن منشأ آخر لهذه الغيرة، وهو ما أشارت إليه بعض الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "غيرة النساء الحسد"2
. وتوضيح ذلك أنَّ المرأة حينما تغار على زوجها من امرأة أخرى فما هو منشأ غيرتها التي تخرج عن دائرة الحبّ الطبيعي؟ إنَّه اعتقادها أنَّ المرأة الأخرى فيها شيء كمالي قد جذب زوجها إليها وهو مفقود فيه، لذا فهي ترغب أن يزول ذلك الكمال منها ليكون فيه، وهذا هو عين الحسد.
وبما أنَّ معطي الكمالات هو الله تعالى، فإنَّ هذا الحسد يحمل خلفيّة عقائديَّة خطيرة هي الاعتراض على الله تعالى في ما قسمه بين الناس، من هنا أكمل الإمام الباقر عليه السلام حديثه السابق "غيرة النساء الحسد، والحسد أصل الكفر، إنَّ النساء إذا غرن غضبن، وإذا غضبن كفرن، إلا المسلمات منهنّ"3.
وحتى تكون المرأة ممن استثناه الإمام الباقر عليه السلام فعليها أن تهذِّب نفسها من هذا المرض، ولو بأن تصبر على عدم خروج الغيرة إلى مجال التعبير الذي يحوِّل الحياة الزوجية إلى شقاء. وهذا هو الامتحان الكبير للمرأة الذي نجحت فيه زوجة ذلك الرجل الذي مدح زوجته وأثنى عليها أمام الإمام الصادق عليه السلام، فسأله عليه السلام: "أغرتها؟" قال:ل، قال عليه السلام: "فأغرها". فإذا بذلك الرجل يجرِّب، فأغاره، فثبتت، فرجع إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال له: إني قد أغرتها فثبتت، فقال عليه السلام منوِّهاً بها: "هي كما تقول"4
نعم إن استطاعت المرأة أن تتغلَّب بعقلها وإيمانها على غيرتها السلبية تكون قد حازت على ذلك الأجر الكبير الذي ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "كُتِبَ الجهاد على رجال أمتي والغيرة على نسائه، فمن صبرت منهنّ واحتسبت أعطاها الله أجر شهيد"5
المصدر:. من كتاب السعادة الزوجية في ثلاث كلمات، الشيخ أكرم بركات
الهوامش:
1- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج5، ص 506.
2- المصدر السابق، ص 505.
3- المصدر السابق نفسُه.
4- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج3، ص 2344.
5- المغربي، القاضي النعمان، دعائم الإسلام، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، ط2، القاهرة، دار المعارف، (ل،ت)، ج2، ص 217.