.
كان عليه السلام عبدا لله وكان نبيا وكان رسولا إلى بني إسرائيل وكان واحدا من الخمسة أولي العزم صاحب شرع وكتاب وهو الإنجيل وكان سماه الله بالمسيح عيسى وكان كلمة لله وروحا منه وكان إماما وكان من شهداء الأعمال وكان مبشرا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين وكان من المصطفين وكان من المجتبين وكان من الصالحين وكان مباركا أينما كان وكان زكيا وكان آية للناس ورحمة من الله وبرا بوالدته وكان مسلما عليه وكان ممن علمه الله الكتاب والحكمة فهذه اثنتان وعشرون خصلة من مقامات الولاية هي أجمل ما وصف الله به هذا النبي المكرم ورفع بها قدره وهي على قسمين اكتسابية كالعبودية والقرب والصلاح واختصاصية خصّه الله بها.
وذكر القرآن أن عيسى كان عبدا رسولا وأنه لم يدع لنفسه ما نسبوه إليه ولا تكلم معهم إلا بالرسالة كما قال تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾ُ(المائدة:116- 119) .
وهذا الكلام العجيب الذي يشتمل من العبودية على عصارتها ويتضمن من بارع الأدب على مجامعه يفصح عما كان يراه عيسى المسيح عليه السلام من موقفه نفسه تلقاء ربوبية ربه وتجاه الناس وأعمالهم فذكر أنه كان يرى نفسه بالنسبة إلى ربه عبدا لا شأن له إلا الامتثال لا يرد إلا عن أمر ولا يصدر إلا عن أمر ولم يؤمر إلا بالدعوة إلى عبادة الله وحده ولم يقل لهم إلا ما أمر به أن اعبدوا الله ربي وربكم . ولم يكن له من الناس إلا تحمل الشهادة على أعمالهم فحسب وأما ما يفعله الله فيهم وبهم يوم يرجعون إليه فلا شأن له في ذلك غفر أو عذب .
* تفسير الميزان ج 3 ص 282_284.