في هذه الفترة الحرجة، كانت السيدة الزهراء(عليها السلام) تلازم فراش والدهاصلى الله عليه وآله وسلم ,ولا تفارقه لحظة، وفجأة طلب منها أن تقرب رأسها إلى فمه ليحدّثها، فراح يكلّمها بصوت خفيفٍ لم يُعرَف،ولكن الزهراء(عليها السلام) بكت بشدّة، إلاّ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أشار إليها مرّة أُخرى فحدّثها بشيء آخر، فرحت به وتبسمت مستبشرة.
ولم تكشف عن ذلك إلاّ بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بناء على إصرار السيدة عائشة: «أخبرني رسول اللّه ص أنّه قد حضر أجلُه وأنّه يُقبَض في وجعه، فبكيت، ثمّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقاً به فضحكت».1(طبقات ابن سعد:2|263؛ الكامل في التاريخ: 2|21)
وفي آخر لحظة من حياته الشريفة طلبَ الاِمام عليّاً (عليه السلام) قائلاً: «أُدعوا لي أخي». فعرف الجميع بأنَّه يريد عليّاً (عليه السلام) فدعَوا له عليّاً، فقال له: «أُدن منّي فدنا منه، فاستند إليه فلم يزل مستنداً إليه يكلّمه».
وسأل رجل ابن عباس: هل توفّي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حِجر أحد؟ قال: توفّي وهو مستند إلى صدر علىٍّ،وهو الذي غسَّله وأخي الفضلُ بن عباس.
وقيل إنّ آخر جملة نطق بها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي:«لا، إلى الرفيق الاَعلى». فكأنّ ملك الموت خيّره عند قبض روحه الشريفة في أن يصح من مرضه أو يلبّي دعوة ربّه، فاختار اللحاق بربّه.
وسأل كعب الاَحبار عن آخر كلمة قالها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال الاِمام علي (عليه السلام) : أنّه قال: الصلاة الصلاة.
وقد ترك الدنيا (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الاِثنين 28 صفر، فَسُجّي ببرد يماني، ووُضع في حجرته بعض الوقت، وارتفعت صرخات العيال، وعلا بكاء الاَقارب، وانتشر نبأ وفاته في كلّأنحاء المدينة التي تحولت إلى مأتم كبير.
وقام الاِمام علي (عليه السلام) بغسل جسده الشريف وكفّنه، إذ أنّه كان قد ذكر: «يغسّلني أقربُ الناس إليّ».
وصلّى عليه مع المسلمين، وتقرر دفنُه في حجرته المباركة. وحفر قبره أبو عبيدة بن الجراح وزيد بن سهل، ودفنه الاِمام علي (عليه السلام) يساعده الفضل بن العباس.
و لمّا فرغ الاِمام (عليه السلام) من غسله (صلى الله عليه وآله وسلم) كشف الاِزار عن وجهه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال والدموع تنهمر من عينيه: بأبي أنت و أُمّي، طبتَحيّاً وطبتَميّتاً، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممّن سواك من النبوة والاَنباء.
ولولا أنّك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع، لاَنفدنا عليك ماءَ الشوَون، ولكان الداءُ مماطلاً، والكمَدُ محالِفاً وقلاّ لك، ولكنّه ما لا يُملَك ردّه ولا يستطاع دفعه! بأبي أنت و أُمّي أُذكرنا عند ربّك واجعلنا من بالك».
وهكذا غربت شمس أعظم شخصية غيّرت مسار التاريخ البشري بتضحياته الكبرى وجهوده المضنية، وأعظم رسولٍإلهيٍ فتح أمام الاِنسانية صفحات جديدة ومشرقة من الحضارة والمدنية. و
المصدر:من كتاب السيرة المحمدية ل آية جعفر السبحاني
قم المقدّسةالحوزة العلمية شعبان المعظم 1390هـ ____________