المرحلة الأولى(1-7 سنوات)
إن طبيعة الطفل في السنوات السبع الأولى من عمره، طبيعة بريئة ولطيفة، كما أن المستوى العقلي لدى الولد ولا سيما في السنوات الثلاث الأولى من عمره، محدود للغاية، ومن هنا أرشدتنا الروايات إلى عدة أمور ينبغي مراعاتها في هذا العمر وفي هذه المرحلة الأولى ومن هذه الأمور:
1- التغذية العاطفيَّة والمقصود بها هنا المحبة وإظهارها للطفل، فهي الغذاء الروحي الأول لشخصيته، وإعطاء العاطفة للطفل يتم من خلال أمور:
أ- التعبير الكلامي
والتعبير الكلامي أسلوب ندبت إليه الروايات، كما أن ذلك كان من فعل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت، فهذا الرسول يقول عن الحسن والحسين عليه السلام: "اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما"2.
ومن كلام أمير المؤمنين يخاطب به ولده الحسن بكلمات بليغة يفيض منها الصدق وتعبق بحنان الأبوة الجارف فيقول له: "... ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني"3.
وليعلم الأب والأم الكريمان أن محبة الأطفال زيادة عن كونها غريزة إنسانية جعلها الله في كل إنسان، فهي من الأمور التي يحبها الله تعالى في عباده، بل جعلها من الأعمال ذات الفضل الكبير عنده، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: قال موسى: " يا رب أيُّ الأعمال أفضل عنك؟ قال: حبُّ الأطفال، فإني فطرتهم على توحيدي، فإن أمَتُّهُمْ أدخلتهم جنتي برحمتي"4
. وفي رواية أخرى أن الله تعالى يشفق على المحب لولده فينزل عليه الرحمة لأجل حبه له، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ الله عز وجل ليرحم العبد لشدةِ حبِّه لولده"5.
ب- تقبيل الولد
من الأمور التي تشحن الولد بالعاطفة التقبيل، فقد كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقبّل الحسن والحسين عليه السلام فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لا يرحم لا يُرحم"6.
ولتقبيل الولد ثواب كبير عند الله تعالى؛ ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "أكثروا من قبلة أولادكم فإن لكم بكل قبلة درجةً في الجنَّة مسيرةَ خمسمائةِ عامٍ"7.
وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قبَّل ولده كتب الله عز وجل له حسنة، ومن فرّحه فرَّحه الله يومَ القيامة..."8.
ج- التّصابي لهم
فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان عنده صبي فليتصاب له"9. والمقصود من التصابي أن لا يتوقع الوالد من ولده سلوك الكبار، بل على العكس، فعلى الوالد أن يتواصل مع الصبي بأسلوبه وبحسب عمره، وقد ورد أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يلاعب الحسن والحسين عليه السلام ويتصابى لهما، ففي الرواية عن جابر قال: "دخلت على النبي والحسن والحسين عليه السلام على ظهره وهو يجثو لهما ويقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما"10.
2- الابتعاد عن أسلوب الضرب
إن الولد في صغره لا يعرف وسيلة للتعبير سوى البكاء، وعلى الأهل أن لا ينزعجوا من ولدهم لبكائه، بل عليهم البحث عن سببه وما يريد هذا الولد من بكائه. فوظيفة الأهل في هذه الحالة أن يتحملوا هذا الأمر، وألا يقدموا على ضرب الأطفال بسبب بكائهم: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله، وأربعة أشهر الصلاة على النبي وآله، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه"11.
وقد يكون بكاء الولد لمرض أصابه، فعلى الأهل في هذه الحالة أن يستعينوا بالصبر على مرض الأولاد وبكائهم، وليتذكروا الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام في المرض يصيب الصبي فقال عليه السلام: "كفارة لوالديه"12.
3- عدم العلاقة الخاصة أمامه
من الأمور التربوية غير السليمة والخطرة على الطفل إقامة العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة أمام مرأى الطفل الصغير، وقد نهت الكثير من الروايات عن هذا العمل، ومن تلك الروايات ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده لو أن رجلا غشي امرأته وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما، ما أفلحَ أبداً إذا كانَ غلاماً كانَ زانياً أو جاريةً كانتْ زانيةً"13.
4- عدم التمييز بين الأولاد
إن التمييز بين الأولاد هو أرضية خصبة للكثير من المشاكل النفسية التي ستشوه نفس الطفل وتكبر معه لتتحول بعد ذلك إلى تهديد قد يوصله المهالك. فالتمييز قد يتسبب في نشوب الغيرة والحسد، والأحقاد بين الأخوة، ولأجل ذلك كان ديدن أهل البيت و أن يعدلوا بين الأولاد، رغم التميز الحقيقي الذي يكون عند بعضهم، وقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: "والله إني لأصانع بعض وِلْدِي وأجلسه على فخذي، وأكثر له المحبة، وأكثر له الشكر، وإن الحقّ َأي الإمامة لغيره من ولدي، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره، لئلا يصنعوا به ما فعل بيوسف وإخوته"14.
وفي أحسن الأحوال يتسبب بالإحساس بالمظلومية وعدم الانصاف، هذا التمييز الذي قد يظهر من خلال مزايا إضافية كالمصروف أو الملبس أو المحبة والعطف... كيف يكون العدل بين الأولاد؟ لقد أكدت الأحاديث الكثيرة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليه السلام على العدل بين الأولاد فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم"15. وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك"16.
ولكن كيف يكون العدل بين الأولاد؟ أشارت الروايات إلى العديد من الأمور منها:
أ- في الهدايا
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:"اعدلوا بين أولادكم في النِحَل"17، والمقصود بالنِحَل العطايا والهبات، فليس من المناسب أن يعطي الإنسان ولداً هدية من دون أن يهدي ولده الآخر أيضا، فإن هذا يشعر الولد الآخر بقلة الاهتمام به، وأنه شخص غير محبوب في العائلة، وأن أخاه أفضل منه، وغير ذلك من المشاعر التي تولد الغيرة والحسد، أو الشعور بالمظلومية.
ب- في التقبيل
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القبل"18 فالقبلة، وإن كانت تصرفاً صغيراً، إلا أنها تحمل مداليل عاطفية كبيرة، ومن هنا ورد في الحديث أنه "نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجل له ابنان فقبل أحدهما وترك الآخر، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فهلا واسيت بينهما"19، وهذا يظهر مدى حرص الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على مشاعر الأطفال.
ج- عدم التمييز بين الجنسين
إن بعض المجتمعات تميز الذكر عن الأنثى فتعطيه الامتيازات، وتحرم الأنثى في المقابل، وقد حارب الإسلام هذا النوع من التربية، وأمر بالاهتمام بالإناث، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم "من كان له أنثى فلم يبدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله الجنة"20.
كما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "نعم الولد البنات المخدرات21، من كانت عنده واحدة جعلها الله سترا له من النار"22.
5- عدم الخلف بالوعد لهم
إن الوفاء بالوعد من الأمور التي أكد عليها الشرع المقدس على كل حال، وفي خصوص الولد هناك تأكيد خاص أيضاً بعدم الخلف بالوعود التي تعطى له، فروح الولد في أوَّل عمره حساسة للغاية، وقد أكدت الروايات على ترك الخلف بما وعد به الأهلُ أطفالهم، فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... وارحموهم وإذا وعدتموهم شيئا ففوا لهم فإنهم لا يدرون إلا أنكم ترزقونهم"23.
هوامش:
1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج101، ص 95.
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج37، ص 74.
3- نهج البلاغة، خطب الامام علي عليه السلام، ج3، ص 38.
4- مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي، ج6، ص 551.
5- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص 3669.
6- وسائل الشيعة آل البيت، الحر العاملي، ج21، ص 485.
7- وسائل الشيعة آل البيت، الحر العاملي، ج21، ص 485.
8- الكافي، الشيخ الكليني، ج6، ص49.
9- وسائل الشيعة آل البيت، الحر العاملي، ج21، ص 486.
10- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج43، ص 285.
11- وسائل الشيعة آل البيت، الحر العاملي، ج21، ص 447.
12- الكافي، الشيخ الكليني، ج6، ص52.
13- الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص500.
14- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص 3673.
15- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص 3673.
16- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص 3673.
17- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص 3673.
18- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص 3673.
19- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص 483.
20- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج15، ص 118.
21- المخدرات: من الخدر، والخدر هو الستر.
22- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص 3672.
23- الكافي، الشيخ الكليني، ج6، ص49.
المصدر:من كتاب الولد الصالح