ان من أعظم مظاهر الولاء لأهل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» هي تلك الجحافل والجموع التي نراها ويراها العالم بأسره تسير ولا من هدف لها إلا الوصول إلى البقعة التي اقتطعا الله سبحانه من الجنة ووضعها على الأرض، إلى كربلاء، إلى ترعة من ترع النعيم، ولا يكاد الناظر إلى هذه الجموع ينقضي عجبه من كثرة ما يرى من وقائع وأحداث وصور يحير لها عقل اللبيب، ومن وفقه الله سبحانه للمشاركة في هذه المسيرة الولائية يفهم معنى ما أتحدث عنه، حتى انشغلت لتلك المشاهد والوقائع قلوب وعقول كثير من المخالفين، وبعض الأبواق التي لا تحسن غير ترديد كلام أعداء المذهب، لذلك تنطلق هنا وهناك كل عام حملة دعائية منظمة ومقصودة ومكشوفة الأهداف والغايات للوقوف بوجه هذه الشعيرة المقدسة، وكل عام يخرج الخارج منهم بحجة مختلفة وحيلة مبتكرة ليلبس على الناس ضلالاته وليوهم من ليس له علم بحسن نواياه، لذلك كان لزاما على كل من له القدرة على فضح مخططاتهم وكشف مؤامراتهم الوقوف وبحزم أمام كل ما يشكك ويقلل من شأن هذه الشعيرة الحسينية المقدسة، لذا سنحاول استعراض بعض الأدلة التي تصحح وتبارك فعل من يسير إلى قبر سيد الشهداء «صلوات الله وسلامه عليه» ولو لخطوة واحدة، فضلا عمن يمشي إلى قبره المقدس ساعات وأياما، ومن ثم نختم ذلك ببعض الآداب التي يجب مراعاتها ليكتمل للسائر إلى قبر مولاه الأجر وتجزل له العطية.
الدليل الأول: الروايات الكثيرة المشجعة على السير إلى قبر سيد الشهداء «صلوات الله وسلامه عليه»
والروايات في هذا الأمر كثيرة، نختار منها على سبيل الاختصار ما يلي:
ألف: فعن الحسين بن علي بن ثوير بن أبي فاختة قال: (قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا حسين من خرج من منزله يريد زيارة الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام إن كان ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة وحط بها عنه سيئة، حتى إذا صار بالحائر كتبه الله من المفلحين، وإذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال له: أنا رسول الله ربك يقرؤك السلام ويقول لك: استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى) « تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ج6 ص43».
باء: وعن جابر المكفوف، عن أبي الصامت قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام وهو يقول: من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشيا كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة) « كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه ص255».
جيم: وعن سدير الصيرفي، عن أبي جعفر عليه السلام في زيارة الحسين عليه السلام قال: (ما أتاه عبد فخطا خطوة إلا كتب الله له حسنة، وحط عنه سيئة) « المصدر السابق ص256». دال:وعن بشير الدهان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السلام فله إذا خرج من أهله بأول خطوة مغفرة لذنبه، ثم لم يزل يقدس بكل خطوة حتى يأتيه...) « ثواب الأعمال للشيخ الصدوق ص91».
هاء: وعن محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن بشير، عن أبي سعيد القاضي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام في غرفة له فسمعته يقول: من أتى قبر الحسين ماشيا كتب الله له بكل خطوة وبكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل) « وسائل الشيعة للحر العاملي ج14 ص442».
الدليل الثاني: الحديث المروي عند السنة والشيعة «أفضل الأعمال أحمزها»
ويدل أيضا على استحباب المشي إلى قبر الإمام المظلوم« صلوات الله وسلامه عليه» الخبر المشهور بين الخاصة والعامة عن النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله وسلم» انه قال: (أفضل الأعمال أحمزها) « تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي ج8 ص172، وراجع تفسير الرازي ج2 ص217».
ومعنى أحمزها هو: أشدها وأمتنها، وأكثرها مشقة، راجع «كتاب العين للخليل الفراهيدي ج3 ص168» والمشي كما هو معلوم بالوجدان أشد وأصعب من الركوب فيكون أفضل قطعا، وكلما كانت مسافته أطول فهو اشد جهدا ومشقة فيكون أفضل، بل وكلما كانت الظروف أصعب كان المشي أعظم أجرا، فالماشي في زمن الخوف أو الحر أو البرد الشديد أو غير ذلك من الظروف الصعبة اكبر منفعة وثمرة دنيوية وأخروية من المشي بغير تلك الظروف، عملا بالحديث النبوي الشريف.
الدليل الثالث: الحديث المروي عند السنة والشيعة (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله علي النار)
ويدل على استحباب ذلك أيضا الخبر المروي عند الخاصة والعامة عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» والقائل فيه: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار) « المعتبر للمحقق الحلي ج2 ص317، وراجع صحيح البخاري ج1 ص218».
وزيارة قبر الإمام الحسين «صلوات الله وسلامه عليه» مصداق واضح من مصاديق هذا الحديث، فهو مشمول بوصف (في سبيل الله)، وكذلك بوصف (اغبرت قدماه) إذ ان القدم إنما تغبر بالتراب عادة بسبب المشي دون الركوب.
الدليل الرابع: في المشي إظهار لقوة وشوكة أتباع ومحبي أهل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم»
ويدل على استحباب المشي إلى قبر الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه ان في المشي إظهارا للشوق وعظيم المحبة، والتي من اجلها يتجشم الزائر كل ما في المشي من صعوبة ومخاطر ومشاق، وفيه أيضا إظهار لشوكة التشيع وقوته، وتماسك أتباعه، وتمسكهم بولائهم لائمتهم «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»، وفيه إرعاب لقلوب النواصب وأعداء الأئمة الأطهار «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» وكل هذه الأمور راجحة شرعا وحسنة عقلا.
بعض آداب المسير إلى قبر سيد الشهداء «صلوات الله وسلامه عليه»
والآداب كثيرة نختار منها المهم وهي كالآتي:
أولا: أن يحاول في أثناء الطريق، بل وفي مطلق الأزمنة، السعي إلى زيادة معرفته بالإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وسائر المعصومين «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»، وفهم لأكبر مقدار ممكن من مراتبهم ومقاماتهم، لان الروايات الشريفة صرحت بأن الأجر على قدر المعرفة، حتى ان بعض الزائرين يعطى بكل خطوة حسنة، بينما البعض الآخر يعطى بكل خطوة ألف حسنة، أما الصنف الآخر فيعطى في كل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل عليه السلام، وليس هذا التفاضل والتمايز إلا بسبب المعرفة وشدة الإخلاص واليقين ومراعاة حالة التأدب بالآداب الشرعية عموما وبآداب الزيارة على وجه الخصوص.
ثانيا: أن يتخلق في أثناء طريقه إلى زيارة قبر سيد الشهداء «صلوات الله وسلامه عليه»، بل وفي مطلق أيام حياته، بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، وليضع أمام ناظريه ان جميع أقواله وأفعاله وتصرفاته تنعكس على مذهب أهل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» سلبا أو إيجابا، والحفاظ على سمعة وكرامة وعزة المذهب هي مسؤولية الجميع لا سيما المتدينين من أتباعه. فعليهم والحال هذه أن ينزهوا أنفسهم عن كل ما من شأنه أن ينقص من قدرهم، وان تكون عليهم سيماء الوقار والهيبة والشدة في تطبيق الأحكام الشرعية ومراعاة الحدود الإلهية، وعدم التهاون في إقامة الواجبات كالصلاة والحجاب وحفظ اللسان والعين والأذن مما يحرم الكلام فيه والنظر إليه وسماعه فقد جاء في صحيحة هشام بن الحكم قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إياكم ان تعملوا عملا يعيرونا ــ أي المخالفين ــ به، فان ولد السوء يعير والده بعمله، وكونوا لمن انقطعتم إليه زينا ولا تكونوا علينا شينا...ولا يسبقوكم ــ يعني المخالفين ــ إلى شيء من الخير فانتم أولى به منهم) «الكافي للشيخ الكليني ج2 ص219».
وعن سليمان بن مهران قال: (دخلت على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وعنده نفر من الشيعة، فسمعته وهو يقول: معاشر الشيعة، كونوا لنا زينا، ولا تكونوا علينا شينا، قولوا للناس حسنا، واحفظوا ألسنتكم وكفوها عن الفضول وقبيح القول) «الأمالي للشيخ الصدوق ص484».
ثالثا: ينبغي على زائري قبر الإمام الحسين «صلوات الله وسلامه عليه» حال مشيهم بل في مطلق حالاتهم، بل وفي مطلق أيام حياتهم، أن يعين غنيهم فقيرهم، وان يوقر صغيرهم كبيرهم، وان يعين قويهم ضعيفهم، وان تسود بينهم حال مسيرهم وحين وصولهم وأثناء رجوعهم روح المحبة والألفة والتراحم والتكافل، لينظر الله لهم بعين رحمته، ويشملهم بلطفه، ويرفعهم ويعزهم بسبب تراحمهم وتكافلهم بان يجعل كلمتهم العليا على من خالفهم. لان عزتهم في وحدتهم وذلهم وانكسارهم في فرقتهم، قال سبحانه {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. رابعا: المحافظة على نقاوة المسير وصفائه ونزاهته نحو قبر سيد الشهداء «صلوات الله وسلامه عليه» وعدم إدخال ما لا يمت بصلة إلى القضية الحسينية ومراسيم عاشوراء في مشيهم ومسيرتهم، وأخطر آفة يمكن أن تسري إلى هذه المسيرات العبادية هي آفة التحزب، وإقحام السياسة وشعاراتها فيها، واستغلال حشود الزائرين وجموعهم من قبل بعض التيارات والتكتلات لأغراض سياسية أو انتخابية أو دعائية والخروج بها عن الحالة العبادية والروحية.
فحري بالزائرين الكرام أن لا يضعوا أمام نواظرهم غير الإمام الحسين «صلوات الله وسلامه عليه» وإقامة شعائر الزيارة، وان لا يمنحوا الآخرين فرصة استغلالهم لتحقيق مآرب سياسية أو شخصية، وان لا يرفعوا أي شعارات أو هتافات لصالح جهات أو أحزاب أو أشخاص مهما كانت لهذه الجهات أو الأشخاص أهمية دنيوية أو أخروية، وان تصبح شعاراتهم وهتافاتهم وجميع تصرفاتهم خالصة لوجه الله سبحانه وللإمام الحسين «صلوات الله وسلامه عليه» وقضيته ومصيبته ومصيبة أهل بيته وأصحابه «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين».
* الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة