ترد في دعاء كميل بعض الجمل التي ندعو بها وهي:
اللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ، اَللّـهُمَّ اغْفِـرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ، اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ، اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لي الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ، اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ الْبَلاءَ، اَللّهُمَّ اغْفِرْ لي كُلَّ ذَنْب اَذْنَبْتُهُ، وَكُلَّ خَطيئَة اَخْطَأتُها.
مفاهيم محوريّة الآثار التكوينية والتشريعية لارتكاب الذنوب:
• ذنوب تجرّ ذنوباً.
• ذنوب تنزل النقم وتستوجب العقاب.
• ذنوب تزيل النعم.
• ذنوب تمنع الاستجابة.
• ذنوب تنزل البلاء والمصائب.
• ذنوب تقطع الأمل.
شرح المفردات:
اغفر: أصلها غَفَرَ: "الغين والفاء والراء: عظم بابه الستر، ثمّ يشذّ عنه ما يذكر، فالغفر الستر. والغفران والغفر؛ بمعنى. يقال: غفر الله ذنبه؛ غفراً، ومغفرةً، وغفراناً"
و"الغَفْرُ: إلباس ما يصونه عن الدّنس... والغُفْرَانُ والْمَغْفِرَةُ من الله؛ هو: أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب. قال تعالى: ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾(البقرة: 285)، و﴿مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾(آل عمران: 133)، ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ﴾(آل عمران: 135)...
والاسْتِغْفَارُ: طلب ذلك بالمقال والفعال...: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾(نوح: 10)"
الذنوب: أصلها ذَنَبَ: "والذَّنْبُ في الأصل: الأخذ بذنب الشيء، يقال: ذَنَبْتُه: أصبت ذنبه، ويستعمل في كلّ فعل يستوخم عقباه اعتباراً بذنب الشيء، ولهذا يسمّى الذَّنْبُ تبعة؛ اعتباراً لما يحصل من عاقبته، وجمع الذّنب ذُنُوب"
تهتك: أصلها هَتَكَ: "الهاء والتاء والكاف: أصل يدلّ على شقّ في شيء. والهتك: شقّ الستر عما وراءه. وهتك عرش فلان؛ هدّ وشقّ"
"وقد هتكته فانهتك؛ أي: فضحته، والاسم: الهتكة؛ وهي: الفضيحة. وهتك الأستار؛ شدّد للمبالغة. وتهتّك: افتضح"
العصم: أصلها عَصَمَ: "العين والصاد والميم: أصل واحد صحيح يدلّ على إمساك ومنع وملازمة؛ والمعنى في ذلك كلّه معنى واحد، من ذلك: العصمة أن يعصم الله تعالى عبده من سوء يقع فيه. واعتصم العبد بالله تعالى؛ إذا امتنع. واستعصم؛ التجأ"
"والاعْتِصَامُ: الاستمساك. قال تعالى: ﴿لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ﴾(هود: 43)؛ أي: لا شيء يَعْصِمُ منه"
النقم: أصلها نَقَمَ: "النون والقاف والميم: أصل أصيل يدلّ على إنكار شيء وعيبه"
. و"نَقِمْتُ الشَّيْءَ ونَقَمْتُه: إذا أَنْكَرْتُه، إِمَّا باللِّسانِ، وإِمَّا بالعُقُوبةِ. قال تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ﴾(التوبة: 74)... والنِّقْمَةُ: العقوبةُ. قال: ﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾(الأعراف: 136)"
البلاء: أصلها بَلَوَى: "الباء واللام والواو والياء: أصلان، أحدهما: إخلاق الشيء، والثاني: نوع من الاختبار، ويحمل عليه الإخبار أيضاً... وأمّا الأصل الآخر، فقولهم: بلى الإنسان، وابتلي؛ وهذا من الامتحان؛ وهو الاختبار... ويكون البلاء في الخير والشرّ.
والله تعالى يبلي العبد بلاء حسناً وبلاءً سيّئاً؛ وهو يرجع إلى هذا؛ لأنّ بذلك يختبر في صبره وشكره"
* دلالة المقطع الآثار التكوينية والتشريعية لارتكاب الذنوب:
1- ذنوب تجرّ ذنوباً:
لارتكاب الذنوب آثار في هذه الدنيا، ولا يختصّ أثر الذنب بالعقوبة الأخروية. ولذا، يبيّن لنا هذا المقطع من الدعاء بعضاً من آثار الذنوب التي يَسأل الداعي الله عزّ وجلّ مغفرتها؛ وأوّلها دعاء بمغفرة الذنوب التي تكون سبباً في زوال مِنْعَة العبد عن الوقوع في المعاصي: عن الإمام زين العابدين عليه السلام:
"والذنوب التي تهتك العصم: شرب الخمر، واللعب بالقمار، وتعاطى ما يُضحِك الناس؛ من اللغو، والمزاح، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب"
وهذه ذنوب تجرّ ذنوباً؛ فشارب الخمر لا يدري ما يفعل، فشربه للخمر يجرّه إلى ارتكاب ذنوب أخرى، وكذلك الحال في الذنوب الأخرى التي وردت في الرواية؛ فإنّ اللغو والمزاح يجرّان إلى أذيّة الناس أو الكذب، ومجالسة أهل الريب تجرّ إلى الانحراف وزوال الإيمان. والتقوى؛ هي العصمة التي لا بدّ أن يتمسّك بها الإنسان لتحصين نفسه وضمان منعتها؛ فإذا زالت تتالت الذنوب عليه وأقعدته عن المسير في طريق الكمال والسعادة الأبدية.
2- ذنوب تنزل النقم وتستوجب العقاب:
إنّ من الذنوب ما يُعاقب عليه الإنسان في الدنيا قبل الآخرة: ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "والذنوب التي تنزل النقم: عصيان العارف بالبغي، والتطاول على الناس، والاستهزاء بهم، والسخرية منهم". وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خمس بخمس: ما نقض قوم العهد؛ إلا سلّط عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله؛ إلا نشأ فيهم الفقر، ولا ظهر فيهم الفاحشة؛ إلا فشا فيهم الموت، ولا طفقوا المكيال؛ إلا مُنِعُوا النبات، وأُخِذُوا بالسنين، ولا مَنَعوا الزكاة؛ إلا حُبِسَ عنهم القطر"
. 3- ذنوب تزيل النعم:
إنّ الله عزّ وجلّ يُنعم بكرمه على هذا الإنسان، ولكنّ الإنسان بارتكابه للذنوب يفقد هذه النعم؛ فزوال النعم مرتبط بزوال الاستقامة. والانحراف سبب لزوال النعمة: قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
وهذه سنّة إلهية ثابتة. وروي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام بيان تلك الذنوب الُموجِبَة لزوال النعم، حيث يقول: "الذنوب التي تغيِّر النعم: البغي على الناس، والزوال عن العادة في الخير، واصطناع المعروف، وكفران النعم، وترك الشكر. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾"
. وكما تذكر الرواية، فإنّ أوّلها هو الظلم؛ وأدنى مراتبه منع الحقوق؛ وهو في صورة اشتغال ذمّته بردّ حقوق الناس وعدم وفائه بذلك.
4- ذنوب تمنع الاستجابة:
إنّ السبب في حبس الدعاء؛ أي عدم استجابة الله للدعاء؛ هو: فعل الإنسان، وإلا فإنّ العطاء الإلهي لا يقف عند حدّ. والغفلة هي الأساس في حبس الدعاء: "إنّ الله عزّ وجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه، فإذا دعوت؛ فأقبل بقلبك"
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "والذنوب التي تردّ الدعاء: سوء النيّة، وخبث السريرة، والنفاق مع الإخوان، وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها، وترك التقرّب إلى الله عزّ وجلّ بالبرّ والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول"
فكيف يمكن للقلب الملوَّث بالذنوب أن يقف بين يدي مَنْ أساء إليه واجترأ عليه؛ ليطلب منه الحاجة؟! وفي دعاء السحر للإمام زين العابدين عليه السلام: "سيدي، لعلّك عن بابك طردتني، وعن خدمتك نحيّتني، أو لعلّك رأيتني مستخفّاً بحقّك؛ فأقصيتني، أو لعلّك رأيتني معرضاً عنك؛ فقليتني، أو لعلّك وجدتني في مقام الكاذبين؛ فرفضتني، أو لعلّك رأيتني غير شاكر لنعمائك؛ فحرمتني، أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء؛ فخذلتني، أو لعلّك رأيتني في الغافلين؛ فمن رحمتك آيستني، أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين؛ فبيني وبينهم خلّيتني، أو لعلّك لم تُحب أن تسمع دعائي؛ فباعدتني، أو لعلّك بجرمي وجريرتي؛ كافيتني، أو لعلّك بقلّة حيائي منك؛ جازيتني"
5- ذنوب تنزل البلاء والمصائب:
البلاء: هو المصاب الذي يُورِث الهمّ والغمّ؛ وهو من فعل الإنسان: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "والذنوب التي تنزل البلاء: ترك إغاثة الملهوف، وترك معاونة المظلوم، وتضييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"20.
6- ذنوب تقطع الأمل:
والمراد بها خصوص الذنوب التي تُوجِب اليأس؛ لأنّ الرجاء هو الأمل، فالمذنب يرى نفسه بعيداً عن الله، وكلّما غرق في ذنبه؛ ازداد اليأس فيه. ولذا، كان الحذر من الذنوب بابَ بقاء الرجاء: عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "والذنوب التي تقطع الرجاء: اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله، والتكذيب بوعد الله عزّ وجلّ"
المصدر: جمعية المعارف