خلاصة الموضوع:
ما هي الإمامة؟
من هو الإمام؟
الامام الرضا عالم آل محمد صفات الإمام الامام واحد دهره يصادف غدا ولادة الإمام علي بن موسى الرضا أرواحنا فداه، وهو يوم عظيم. ونحن نردد كلمة (إمام) فهل فهمنا ما تحويه هذه الكلمة وما تشتمل عليه، وهل استوفينا البحث فيها، وعرفنا موضوع أي سؤال تقع؟
نحن على العموم نعرف مسائل الفقه والأصول جيدا، أما في مسألة الإمامة التي هي من أهم المسائل، فنحن قاصرون ومقصرون! فهي ليست من مسائل علم الفقه أو أصول الفقه حتى أقول إني قد استوعبتها وتسلطت عليها! فأنا فيها في المرحلة الابتدائية، ولا أعرف في الدنيا من هو بلغ فيها المرحلة المتوسطة، حتى نبحث عن أهل المرحلة العليا فيها! إن علينا أن نعرف أهمية المسألة وعظمتها! وأول ما يجب أن نعرفه أن عنوانها عنوان مقدس.
فكلمة الإمام التي هي موضوع بحثنا موضوع لسؤالين، عن المبدأ والمتلبس به،
فالسؤال الأول: ما هي الإمامة؟
والثاني: من هو الإمام؟
أما السؤال الأول فنجد مفهوم الإمامة في القرآن في مخاطبة الله تعالى لنبيه إبراهيم عليه السلام: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين (سورة البقرة: 124) والمفكر المستيقظ المتأمل في عمق السؤال والجواب في الآية، يرتجف أمام عظمة الموضوع! ويرى أن جواب السؤال يكمن في كلمة (عهدي) فإن فهم كلمة (عهد الله) فقد فهم الإمامة ما هي؟
ومن يستطيع أن يدعي أنه يفهم (عهد الله تعالى) ما هو؟ علينا أن نكون منصفين ونعترف بتقصيرنا وقصورنا! فالقضية ليست مسألة من مسائل نهاية الدراية، ولا الأسفار، ولا الشفاء! بل هي من المسائل لا يمكن أن تفهم إلا من أحاديث أئمة الدين أهل البيت الطاهرين عليهم السلام. هذا جواب السؤال عن الإمامة.
أما السؤال عن الإمام من هو؟ فقد أجاب عنه الإمام الرضا عليه السلام الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وآله لمن ذكر اسمه: قل صلى الله عليه، ثلاثا! قالالصدوق أعلى الله مقامه في عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 313: (حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى المعاذي النيسابوري قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن علي البصري المعدل قال: رأى رجل من الصالحين فيما يرى النائم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله من أزور من أولادك؟ فقال صلى الله عليه وآله: إن من أولادي من أتاني مسموما، وإن من أولادي من أتاني مقتولا! قال فقلت له: فمن أزور منهم يا رسول الله مع تشتت مشاهدهم أو قال أماكنهم؟ قال صلى الله عليه وآله: من هو أقرب منك يعني بالمجاورة وهو مدفون بأرض الغربة. قال: فقلت يا رسول الله تعني الرضا؟
فقال صلى الله عليه وآله: قل صلى الله عليه، ثلاثا). انتهى. ترى أي خصوصية في شخصية الإمام الرضا عليه السلام حتى يأمر النبي صلى الله عليه وآله بالصلاة عليه ثلاثا عند ذكر اسمه؟! إن هذا بحث مستقل. يجيب عن سؤالنا الإمام الرضا عليه السلام الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وآلهوالأئمة عليهم السلام لقب: عالم آل محمد! فمع أن النبي صلى الله عليه وآله وكذا الأئمة عليهم السلام علماء بكل أسرار الوجود، وشهداء الله على خلقه، وقد أعطاهم الله تعالى علم السيطرة التكوينية والتشريعية، فقال عز وجل: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. (سورة النحل: 89)،
وقال تعالى: ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب. (سورة الرعد: 43) ومع ذلك فقد أعطوا لقب (عالم آل محمد) لشخص واحد منهم فقط هو الإمام الرضا عليه السلام! روى أبو الصلت الهروي رحمه الله قال: (لقد حدثني محمد بن إسحاق بن موسى بن جعفر، عن أبيه عن جده موسى عليه السلام أنه كان يقول: هذا أخوك علي بن موسى عالم آل محمد فاسألوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم، فإني سمعت أبي جعفرا يقول غير مرة: إن عالم آل محمد لفي صلبك، وليتني أدركه فإنه سمي أمير المؤمنين عليه السلام) (البحار: 49 / 100).
لقد أجاب عالم آل محمد عليه السلام عن سؤالنا: من هو الإمام؟ فعدد بضعة وخمسين صفة للإمام المنصوب من الله تعالى! وهنا معدن معرفة الإمام، من لسان الإمام، الخبير بالإمامة وصفات الإمام عليه السلام! إن واجبكم جميعا أن تدرسوا هذه الأصول من هذا المنبع الصافي، وتتأملوا فيها، بقوة إيمان، وصفاء ضمير، واستمداد من الله تعالى، لعله يفيض على قلوبكم بعض معارفها. 1)
من هذه الصفات التي ذكرها الإمام عليه السلام في جوابه المفصل عن ماهية الإمامة والإمام، قال: الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، لاحظوا أن الإمام عليه السلام استعمل كلمة (دهره) ولم يقل (واحد زمانه) فالدهر غير الزمان كما يأتي. ولاحظوا أنه استعمل لفظ (واحد) ثم لفظ (أحد) ولكل منهما معنى في مكانه وقبل هذه الجملة وصف شخص الإمام بأنه: كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق، بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.
فشبهه بالشمس التي تجلل بنورها العالم ولا تصل إليها الأيدي، ولا إلى عمقها الأنظار. هذا كما في رواية الكافي وتحف العقول وغيبة النعماني ونسخة من معاني الأخبار، أما رواية عيون أخبار الرضا عليه السلام وغيرها من روايات الصدوق رحمه الله ففيها: كالشمس الطالعة بنورها للعالم، لكن العبارتين تصفان الإمام عليه السلام بأنه شمس تضئ على العالم وأنها في أفق سام، لا تناله الأيدي والأبصار!
وقد أردنا أن تكون هذه الصفة مقدمة لشرح صفة: الإمام واحد دهره، فالدهر في اصطلاح الفلاسفة أعم من الزمان لأنه وعاء المجردات، في مقابل الزمان الذي هو وعاء الماديات، وعلى هذا بنى المحقق الداماد رحمه الله مصطلحه عن الإمام: القدوس الدهري. أما اللغويون فقد أطالوا بحث الفرق بين الدهر والزمان، وبعضهم قال بعدم الفرق، وبعضهم قال بأن الدهر أعم، وهو ما نرجحه. على أنا يمكننا أن نفهم أن الإمام واحد الدهر، وليس الزمان بالدليل العقلي، فإن هذه المباحث برهانية لا تعبدية، وإن كانت مقدمات البرهان فيها عميقة ودقيقة، فكلما كانت المسألة مهمة أكثر،
كانت مقدمات أدلتها أعمق وأدق! إن الإمام عصارة خلقة الإنسان، وصورة الإنسان كما عن الإمام الصادق عليه السلام: أكبر حجج الله على خلقه وهي الهيكل الذي بناه بقدرته. (2) وقد استعمل الله سبحانه تعبير (تبارك) عن خلق الإنسان مرتين، مرة في غاية خلقه، ومرة فيما تنتهي اليه الغاية! قال الله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (سورة التين: 4)،
وقال تعالى: ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (سورة المؤمنون: 14) وتعبير (تبارك) لم يستعمل في القرآن إلا في موارد محدودة، منها لملك الله تعالى: تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير (سورة الملك: 1) ومنها لخلق السماوات والأرض، ومنها لخلق البروج والشمس والقمر، ومنها لخلق الإنسان، ومنها لتنزيل االقرآن: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (سورة الفرقان: 1)
وقد جمع بينهما فيسورة الرحمان فقال: الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان وختمها بقوله: تبارك اسم ربك ذى الجلال والإكرام. هذا الإنسان المخلوق بهذه العظمة في بنائه، واستعداده للتكامل، لابد أن يصل إلى كماله الذي قال الله عنه للملائكة: إني أعلم ما لا تعلمون! جوابا على قولهم: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)؟! وكمال الإنسان إنما هو بوصول قوتين كامنتين فيه إلى أوج إثمارهما: قوة العقل، وقوة الإرادة.
فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (دعامة الإنسان العقل، والعقل منه الفطنة والفهم، والحفظ والعلم) (الكافي: 1 / 25، وعلل الشرائع: 1 / 103) والعقل قسمان: عقل نظري، وكماله المطلق بالاستغراق في نوع من المعرفة يشمل كل أنواع معرفة الوجود، وهو معرفة الله تعالى! وعقل عملي، وكماله المطلق ينتهي إلى فناء إرادة الإنسان في إرادة ذات القدوس الحق تعالى. وعندما تفنى جنبة العقل النظرية والعملية، تلك في المعرفة،
وهذه في الإرادة، فعنئذ يكون الإنسان: واحد دهره! الإمام واحد دهره، فهو الإنسان الذي يستحق العهد الإلهي المخصوص بين بينا إبراهيم عليه السلام وبين الله تعالى، ويستحق منصب الإمامة الإلهية! ولا يمكن أن يستحقه أحد إلا إذا كان: واحد دهره! إن موضوع الإمامة عميق وواسع، فعليه يتوقف تحقيق الغرض من خلق الله تعالى للإنسان، بل من كل الخلق، وما لم يكن الإمام في نظام الوجود، فإن الغرض من خلق الخلق لا يتم. والناس كما قال صلى الله عليه وآله: معادن، فلابد أن يتم تبلور معادنهم بإشراقة الإمام عليه السلام، فهو للناس ضرورة كضرورة الشمس للمعادن في الأرض.
قال صلى الله عليه وآله: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الإسلام أصل). (الكافي: 8 / 177 عن الإمام الصادق عليه السلام. ورواه مسلم: 8 / 41 بلفظ: الناس معادن كمعادن الفضة والذهب خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا).
المصدر:من محاضرات المرجع الديني الشيخ وحيد الخراساني دامت بركاته في ذكرى مولد الامام الرضا عليه السلام