يا عَونَ مَنْ لا عَونَ له إنَّ مَن يشعر بالارتباط باللّه فهو سعيد؛ لأنَّ عمدة مصائب الإنسان إمّا من الإحساس باليأس والذلِّ والوحدة والضعف، وإمّا من الطغيان.
وإنَّ شقاءَ أكثر الشعوب والأمم والمجتمعات والأفراد وتعاستها، هي من العجز والضعف، وعدم وجود الناصر والمعين والوحدة والغربة المطلقتين. فارتباط الإنسان باللّه معناه الارتباط بمركز القدرة والعلم، فهو ليس وحيداً إن كان اللّه معه: « يا عَونَ مَنْ لا عَونَ له»، و«يا رجاءَ مَن لا رجَاء له».
فلو كنتم في قلب العدو، وآمنتم بوجود وسيلة يمكنكم الارتباط والاتصال بها في لحظة واحدة فتحميكم من العدو، فهل تشعرون في هذه الحالة بالخوف والضغط عليكم؟ لا أحيف ولا أظلم إنّ الارتباط باللّه يمنع الإنسان من الطغيان والاستكبار، ومن يرتبط باللّه وإن كان قويّاً ويشعر بالقوة، لكن يعلم أنّ هذه القوة ليست من ذاته، بل من اللّه .
فالاستكبار والطغيان والغنى عن اللّه سببها عدم ارتباط الإنسان باللّه، وتصوّر الإنسان أنّ القوة الظاهرية منه، والثروة الظاهرية ملكه، ولا يتصوّر أنَّه يمكن أن تزول في لحظة واحدة. فإن دعا الإنسان ربَّه وشعر بالارتباط فلا يصاب بالضعف والانكسار، ولا بالطغيان والاستكبار، فببركة الدعاء يمكن بناء مجتمع مؤمن متكامل مرتبط باللّه.
اطلبوا مختلف الحاجات
إذا تأمَّلنا في الروايات نلاحظ الكثير من الروايات تدعو إلى طلب الأمور الصغيرة من اللّه، فبمقدوركم أن تطلبوا مختلف الحاجات -حتَّى الحاجات الصغيرة- من خلال إقبالكم على الله تعالى، بالدعاء والمناجاة، ولا بدّ لكم من فعل ذلك، إلا أنَّ ذلك لا يعني أن تقصروا دعاءكم على طلب الحاجات الصغيرة، بل اطلبوا من الله تعالى قضاء حوائجكم الكبيرة أيضاً.
فقد ورد في الحديث: «لا تستكثروا شيئاً ممَّا تطلبون»، فلا فرق عند اللّه بين القليل والكثير، فإن طلبتم مائة شيء فاطلبوا الواحد بعد المائة... وهكذا، واطلبوا الأشياء الكبيرة من اللّه أيضاً، وقد ورد في الصحيفة السجاديَّة في باب دعاء السحر: « إِلهِي، طُمُوحُ الآمَالِ قَدْ خابَتْ إِلاّ لَدَيْكَ وَمَعاكِفُ الهِمَمِ قَدْ تَعَطَّلَتْ إِلَّا عَلَيْكَ».
إنَّ أكبر الحاجات هو (غفران الذنوب)، فاطلبوا من الله تعالى أن يزيل الآثار المتبقّية في القلوب والنفوس؛ نتيجة ارتكاب المعاصي والذنوب، واسألوه أن يفتح أمامكم أبواب التوبة. ومن الحاجات الكبيرة الأخرى (محبَّة الله)، فعليكم أن تطلبوا من الله تعالى أن يمنحكم مقام المحبَّة الإلهيَّة. ومنها أيضاً (صلاح أمور الأمَّة الإسلامية)، فعليكم أن تطلبوا من الله تعالى أن يُصلح كافة أمور الشعوب الإسلامية وبلدانها، بل عليكم أن تطلبوا من الله تعالى أن يهدي جميع أفراد البشرية إلى الصراط المستقيم.
الدعاء منجاةٌ لنا
يقول الإمام علي (ع) في دعاء كميل: «لا أَجِدُ مَفَرّاً مِمّا كانَ مِنِّي وَلا مَفْزَعاً أَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ فِي أَمْرِي، غَيْرَ قَبُوُلِكَ عُذْرِي». فلو لم تكن هناك حالة قبول العذر التي منَّ الله الكريم الرحيم بها علينا، كيف كنّا سنستطيع إنقاذ أنفسنا من كلّ ما أنزلناه بأنفسنا، ومن شرور كلّ تلك الأعباء الثقيلة من الذنوب، والمخالفات، والخطايا، واتّباع الأهواء؛ لما كان لنا مفرّ ولا ملاذ.
دعاء كُميل والمناجاة الشعبانيّة
لدينا العديد من الأدعية المليئة بالمضامين السامية، لكنّ بعضها أكثر تمايزاً. لقد سألت الإمام العظيم رضوان الله عليه، وقلت له: أيّ دعاءٍ من بين كلّ الأدعية التي وصلت إلينا عن الأئمّة (عليهم السلام) أحببتَه وتعلّقتَ به أكثر؟ فأجاب: دعاء "كُميل" و"المناجاة الشعبانيّة". كان الإمام مُقبلاً على الله، كان أهل التوسّل، أهل التضرّع، أهل الخشوع، أهل الاتصال بمنشأ الخِلقة.
وكان هذان الدعاءان بنظره هما الوسيلة الأمثل: "دعاء كُميل والمناجاة الشعبانيّة". عندما يعود الإنسان لهذين الدعاءَيْن ويدقّق فيهما، يجد كمْ هما متشابهان إلى حدّ كبير، مناجاة إنسانٍ خاشع، مناجاة إنسان متوكّلٍ على الله «كأَنِّي بِنَفْسِي وَاقِفَةٌ بَيْنَ يَدَيْكَ وَقَدْ أَظَلَّها حُسْنُ تَوَكُّلِي عَلَيْكَ فَقُلتَ ما أَنْتَ أَهْلُهُ وَتَغَمَّدْتَنِي بِعَفْوِكَ».
مناجاة إنسانٍ مؤمِّلٍ بالمغفرة الإلهيّة، بالرحمة الإلهيّة، بالتوجّه الإلهيّ، بالهمّة العالية في الطلب من الله، «إِلهِي هَبْ لِي كَمال الاِنقطاعِ إِلَيْكَ وَأَنِرْ أَبْصارَ قُلُوبنا بِضِياءِ نَظَرِها إِلَيْكَ». سلاح الذكر والتوجّه استفيدوا من سلاح الذّكر والتوجّه والتوسّل إلى الله تعالى والاعتماد عليه في هذا الطّريق الصّعب. «يَا مَنْ لاَ يَجْبَهُ بِالرَّدِّ أَهْلَ الدَّالَّةِ عَليهِ»، فحتَّى أولئك الّذين يتجاسرون في كلامهم أثناء مخاطبتهم لربّ العالمين فإنّ الله تعالى يشملهم برحمته، ورحمته تعالى بمتناول من يريدها ويطلبها
المصدر:من حديث للإمام الخامنئي دام ظله