المحيط التربوي للطفل
من أهم العوامل المؤثرة في تنمية فطرة الصدق عند الأطفال المحيط التربوي الذي يعيشون فيه، فعندما يكون الوالدان ملتزمين بالصدق بعيدين عن الكذب والاحتيال، فإن الطفل ينساق تلقائياً إلى طريق الصدق والاستقامة، ومن السهل جداً إزالة العوائق التي تقف في طريقه من الناحية النفسية.
وعلى العكس من ذلك فإن الوالدين اللذين لا يتورعان عن الكذب يعودان الطفل على هذه الصفة الذميمة من حيث لا يشعران، في أسرة كهذه يصبح الإهتمام بالظروف والعوامل النفسية للوقاية من الكذب عقيما.
إن المحيط التربوي اهم العوامل الصانعة لكيان الطفل، ولا يمكن مقايسة أي من العوامل النفسية به، ذلك أن الطفل ينسجم مع المحيط الذي ينشأ فيه بصورة لا شعورية، وتنطبع في ذهنه صور الأشياء التي يشاهدها أو يسمعها.
"إن محيط الصدق والشهامة المطلقة أهم عوامل الكفاح ضد الكذب. فإذا كانت الاستقامة مسيطرة على جو الأسرة أو المدرسة لم يقترب الطفل من الكذب، واذا صادف أن جرت كذبة على لسانه فإن التجارب تثبت أن هذه الكذبة لا تصل إلى حد الخيانة والاجرام ولا تبعث بجذورها في قلبه".
"إن الضمائر الحية لهؤلاء الأحداث تشبه الأعشاب الربيعية في النعومة واللطافة، فلأجل أن تلاقي تنمية مناسبة ومتكافئة يجب أن تبقى في مأمن من هبوب الرياح الشديدة والميول التي قد تدحرها الى الأبد، ومن المؤسف أن نجد أن هذه الفسائل الغضة كثيراً ما تجابه بالرياح الهوجاء".
"كثيراً ما يصادف وجود أخاديد واسعة بين أفعالنا ونصائحنا. هناك بون شاسع بين ما يلاحظه الطفل في أفعالنا ويدركه من سلوكنا، وبين الأوامر والنصائح التي نصدرها في تقبيح عمل معين وذمه!". "
قد اعتاد الكثيرون على أن يقولوا للأطفال: (افعل ما أقوله لك! لا تلتفت الى ما أفعل) في حين أنهم يجهلون أن هذه النصيحة تستتبع مأساة عظيمة، ان الطفل لا يخضع للنصيحة التي لا يعيرها الوالدان أهمية ما وعلى فرض أنه استطاع أن يتوصل من عمل الكبار الى أن السلوك المفضل للأطفال يختلف عن السلوك المفضل للكبار فإنه سيحطم تلك القيود في أول فرصة يدرك فيها الحرية، ويخرج على تلك التعاليم التي وجهت اليه في صباه".
ان محيط الأسرةّ هو المدرسة الأولى للطفل، وإن سلوك الوالدين يمكن أن يصبح مقياساً لازدهار الأسرة أو انحطاطها. ان امرأة أو رجلاً بغض النظر عن عنوان الأمومة أو الأبوة عندما تصدر منه كذبة يكون قد ارتكب معصية كبيرة واستحق بذلك عقوبة. أما عندما يكون هذا الرجل أباً أو عندما تكون المرأة أماً فإن الكذبة الصادرة منه أمام عيني الطفل النافذتين، وأذنيه الواعيتين لا يمكن أن تعد ذنباً واحداً. ففي هذه الصورة يكون ذنب آخر غير ذنب الكذب قد ارتكب... ذلك هو ذنب التعويد على الكذب وهذا أعظم بكثير من الذنب الأول.
المصدر:*الطفل بين الوراثة والتربية، محمد تقي فلسفي، الأعلمي ط3، 2002م، ج2، ص31-52.