المَرأة وَالعَمَل
يقوم تقسيم الوظائف في كل مجتمع ومحيط على أساس تقبل الأشخاص لتلك الوظائف وإمكانياتهم للقيام بها على أحسن وجه.
وتقسيم العمل هو ضرورة من ضرورات المجتمع في جمعيع النواحي والمجالات. وتقسيم العمل يؤدي الى سهولة القيام به مهما كان صعباً ويؤدي أيضاً إلى سرعة الإنتاج مهما كان بطيئاً وتقسيم العمل والوظائف يساعد المتخصص في كل قسم منه على النبوغ في ذلك القسم والتعمق فيه خلافاً لما لو اختلف توزيع العمل وتعاقبت الأعمال المختلفة على العامل فإنه سوف يخسر مرونته وعبقريته التي قد يحرزها في عمل واحد. فإن لكل شخص من الأشخاص استعداده الخاص وطبيعته الخاصة به وتكوينه الفطري والنفسي فنحن لا ينبغي لنا مثلاً أن نجعل من فنان مهندساً أو نجعل من مهندس فناناً فإن لكل منهما هوايته واستعداده الخاص ولا ينبغي لأي منهما أن يخالف اتجاهه الطبيعي أو يعاكس أهواءه وأستعداده.
كلاً منهما يسير وراء هوايته وطبيعته الفطرية. فتقسيم العمل يعتبر من أهم الظواهر الطبيعية، وقد شمل حتى تكوين الإنسان وتركيبه العضوي، فإن لكل عضو من أعضاء الإنسان عمله الخاص وفائدته الخاصة وبهذا تكون جميع أعضاء الإنسان متساوية من ناحية الاستهلاك ومتوازية في إنجاز المهام مثلها في ذلك كمثل تقسيم العمل في المعمل الصناعي ,
وعلى هذا فإن كل واحد من المجموعة البشرية يشعر بأنه مشدود جذرياً إلى أخيه الإنسان وهذا الشعور يولد التقارب اللااختياري في المجتمع. فإذا كان تقسيم العمل شاملاً لكل المجالات في جميع الأحوال، وإذا كانت الحياة قائمة على أساس تقسيم العمل في جميع نواحيها، فمن الطبيعي جداً أن يأخذ الإسلام بهذا المبدأ في تقسيم العمل بين المرأة والرجل فيسند لكل منها الدور الذي هو أكثر كفاءة للقيام به. فإن لكل من المرأة والرجل مزاجاً خاصاً وتكويناً معيناً لا ينبغي لأي منهما أن ينحرف عنه أو ينفصل منه.
فتوزيع المهام إذاً بين الرجل والمرأة لا يقوم على أساس تسخير احدهما للآخر بل على أساس تقسيم العمل وإعطاء كل منهما نوع المهمة التي تنسجم مع طبعه ومزاجه.
ولولا توزيع هذه الوظائف والتهيئة التكوينية لهذا التوزيع لما أمكن للبشرية أن تعيش على وجه الأرض فكما أن على المرأة أن تقوم بوظائفها الطبيعية في الحياة كذلك على الرجل أيضاً أن يقوم بمهامه بالنسبة للمجتمع والحياة، ويكون إنجاز هذه الوظائف الطبيعية على سبيل التعاون والتكافوء لا على سبيل التسخير والأستخدام.
هذا هو التقسيم السماوي للوظائف البشرية دون استغلال من أحد الطرفين. وهكذا شاءت العدالة الربانية أن تجعل البشر متساوين في الوظائف متكافئين في الأعمال دون ظلم أو إجحاف. وتقسيم الوظائف على هذا النحو يحفظ لكل من الطرفين مكانته الاجتماعية ويحافظ في الوقت نفسه على كيانه الخاص، ويجعلهما معاً خادمين للمجتمع على صعيدين متساويين، وكل حسبما تفرضه عليه طبيعته ويدله اليه تكوينه.
ولذلك فقد أسند للمرأة خدمة المجتمع في داخل البيت وأسند للرجل خدمة المجتمع في خارج البيت. وذلك لأن المرأة بطبيعتها الأنثوية الرقيقة أجدر بإدارة البيت الذي يقوم على الحب والعطف والحنان. ولكن هذا التوزيع العادل للوظائف أخذ يستغل من قبل بعض دعاة الشر لإِبرازه في صورة معاكسة تماماً للواقع تنتج عنه تصورات خاطئة عن أن المرأة في الإسلام لا تعد
إلاّ كونها أداة عمل وآلة إنتاج تحت سيطرة الرجل. وكان نتيجة لهذه الدعايات السامة أن أخذت المرأة المسلمة تستشعر بنقطة ضعف موهومة وصارت تحاول أن تمحو عنها هذا النقص. وبما أن الوسيلة الوحيدة التي تمكنها من ذلك هي عدالة السماء وتفهمها الواقعي للحكمة العادلة في هذا التوزيع، وبما أنها قد أنصرفت عن هذه الناحية بعد أن توهمت اليأس منها، فإنها لن تتمكن من الاهتداء إلى ما تسعى، مهما حاولت ذلك ومهما بذلت في سبيل ذلك الغالي والرخيص من عزتها وكرامتها وطهرها الغالي الثمين.
المصدر:المرأة مع النبي(ص) الشهيدة بمت الهدى