محطة الشهادة:
وقفة مع محطة الشهادة في حياة السيّد الصدر وفي حياة السيّدة بنت الهدى.
الشيخ محمد رضا النعماني - آخر من بقي مع الشهيد الصدر في الحصار الأخير - يتحدث عن استشهاد الصدر (رضوان اللّه عليه). يقول الشيخ النعماني في كتابه (شهيد الأمة وشاهدها) - وما أذكره هنا من كلامه فيه شييء من التصرف والإيجاز
:" في اليوم الخامس من شهر نيسان الأسود (أبريل) عام 1980 ميلادية وفي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر جاء جلاوزة الأمن لاعتقال السيّد الصدر... قالوا له: إنَّ المسؤولين يودون لقاءك في بغداد قال لهم: إذا أمروكم باعتقالي فاذهب معكم قالوا: نعم هو اعتقال...
قال السيّد الصدر: انتظروني دقائق حتى أودع أهلي قالوا: لا حاجة لذلك ففي نفس هذا اليوم أو غدٍ سنعود قال السيّد الصدر: وهل يضركم أن أودع أطفالي وأهلي قالوا: لا، ولكن لا حاجة لذلك ومع ذلك فافعل ما تشاء ودّع الشهيد الصدر أهله وأطفاله...وأخذه الجلاوزة إلى بغداد وهو مستبشر حيث تنتظره الشهادة، فطالما تمنى الشهادة،
كان آخر خطاب له وجهه إلى أبناء الشعب: "أنا أعلن لكم يا أبنائي أني صممت على الشهادة، ولعل هذا آخر ما تسمعونه منّي، وإنَّ أبواب الجنان قد فتحت لتستقبل قوافل الشهداء حتى يكتب اللّه لكم النصر،
وما ألذَّ الشهادة التي قال عنها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) إنّها حسنة لا تضّر معها سيئة، والشهيد بشهادته يغسلُ كل ذنوبه مهما بلغت".
وفي اليوم الثاني جاء الجلاوزة إلى دار الشهيد الصدر لاعتقال السيّدة بنت الهدى . قالوا لها: إنّ السيّد طلب حضورك إلى بغداد. قالت وهي الشامخة الصامدة: نعم سمعاً وطاعةً لأخي إن كان قد طلبني، ولا تظنوا أنيّ خائفة من الإعدام، واللّه إني سعيدة بذلك، إنّ هذا طريق آبائي وأجدادي...
ثم استأذنتهم ودخلت إلى داخل الدار لتقول كلمتها الأخيرة إلى الشيخ النعماني: “أخي أبا علي لقد أدّى أخي ما عليه، وأنا ذاهبة لكي أؤدّي ما عليّ، إن عاقبتنا على خير أوصيك بأمي وأولاد أخي، لم يبقَ لهم أحد غيرك.
إن جزاءك على أمي فاطمة الزهراء والسلام عليك." فقال لها الشيخ النعماني:" لا تذهبي معهم قالت: لا واللّهِ حتى أشارك أخي في كل شي حتى الشهادة....
"أخذوها إلى بغداد....
وفي مساء اليوم التاسع من نيسان (أبريل) عام 1980 ميلادية وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً قطعت السلطة التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف..... وفي ظلام الليل الدامس، تسللت مجموعة من قوات الأمن إلى دار الحجة السيّد محمد صادق الصدر -
والد الشهيد الصدر الثاني - طرقوا الباب، خرج السيّد لهم، ماذا تريدون؟
«تفضل معنا إلى بناية المحافظة" خرج معهم بشيخوخته وآلامه، وما أن وصلوا به إلى مبنى المحافظة حتى فاجأه المجرم مدير أمن النجف قائلاً: هذه جنازة الصدر وأخته قد تم إعدامهما، والمطلوب منك أن تذهب معنا لدفنهما. قال السيّد: لابدَّ لي من تغسيلهما. قالوا له: قد تمَّ تغسيلهما وتكفينهما. قال السيّد: لابدَّ من الصلاة عليهما. قالوا له: نعم صلِّ عليهما... وبعد أن انتهى من الصلاة قالوا له: هل تحب أن تراهما؟
قال السيّد: نعم.. فأمر الجلاوزة بفتح التابوت، فشاهد الشهيد الصدر «رضوان اللّه عليه» مضرجاً بدمائه، وآثار التعذيب على كل مكان من وجهه وكذلك شاهد الشهيدة بنت الهدى «رضوان اللّه عليها» مضرّجة بدمائها، وآثار التعذيب واضحة على كل مكان من وجهها... ثم قالوا له: لك أن تخبر عن إعدام السيّد الصدر، ولكن إياك أن تخبر عن إعدام بنت الهدى، إن جزاءك سيكون الإعدام. كم كان هذا قاسياً على قلب هذا السيّد الجليل، وهو يشاهد هذه المأساة، وهو يشاهد الشهيد الصدر جسداً هامداً عبثت به أيدي الجريمة وغيّرت ملامحه جراحات والتعذيب، وصبغت لحيته الشريفة دماء الشهادة.
كم كان قاسياً على قلب هذا السيّد الجليل أن تقع عينه على الشهيدة بنت الهدى جسداً هامداً عبثت به أيدي الجريمة، وغيّرت ملامحها جراحات التعذيب وصبغتها دماء الشهادة. والأشد قسوة على قلبه أنه لا يملك القدرة أن يتحدث عن إعدام الشهيدة بنت الهدى، ولذلك بقي خبر استشهادها مخفيا، وشاعت أخبار - في وقتها - تشكك في إعدام السيّدة بنت الهدى، إلاّ أنّ السيّد محمد صادق الصدر لما حانت منه الوفاة أخبر عن شهادة السيّدة بنت الهدى (رضوان اللّه عليها) .
وهكذا أعطى الشهيد الصدر دمه في مواجهة نظام الظلم والقهر والاستبداد ومن أجل أن ينتصر شعب العراق المظلوم وهكذا أعطت الشهيدة بنت الهدى دمها في هذا الطريق.
كان ذلك في الأسبوع الثاني من نيسان «أبريل» عام 1980م،
وإذا كان دم الشهيد الصدر ودم الشهيدة بنت الهدى عنوان الجهاد والصمود والرفض طيلة حكم الطاغية صدام فسوف يبقى دم الشهيد الصّدر ودم الشهيدة بنت الهدى عنوان الجهاد والصمود والرفض في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ العراق،
.سيبقى دم الشهيد الصدر ودم الشهيدة بنت الهدى يستنهض إرادته الأمة لتواجه مشروعات الهيمنة والمصادرة والإلغاء..
.. المصدر : مؤسسة الصدرين للدراسات الإاستراتيجية