كلام الإمام الخميني حول طول الأمل
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "يجب أن نعرف أنّ من أهمّ أسباب عدم التيقّظ الذي يؤدّي إلى نسيان المقصد ونسيان لزوم المسير، وإلى إماتة العزم والإرادة، هو أن يظنّ الإنسان أنّ في الوقت متّسعاً للبدء بالسير، وأنّه إذا لم يبدأ بالتحرّك نحو المقصد اليوم، فسوف يبدأه غداً، وإذا لم يكن في هذا الشهر، فسيكون في الشهر المقبل.
فإنّ طول الأمل هذا وامتداد الرجاء، وظنّ طول البقاء، والأمل في الحياة والرجاء سعة الوقت، يمنع الإنسان من التفكير في المقصد الأساسيّ الذي هو الآخرة. ومن لزوم السير نحوه ومن لزوم اتّخاذ الصديق وتهيئة الزاد للطريق، ويبعث الإنسان على نسيان الآخرة ومحو المقصد من فكره - ولا قدّر الله ، إذا أصيب الإنسان بنسيان للهدف المنشود في رحلة بعيدة وطويلة ومحفوفة بالمخاطر مع ضيق الوقت، وعدم توفّر العُدَّة والعدد رغم ضرورتهما في السفر، فإنّه من الواضح لا يفكر في الزاد والراحلة، ولوازم السفر، وعندما يحين وقت السفر يشعر بالتعاسة، ويتعثّر ويسقط في أثناء الطريق، ويهلك دون أن يهتدي إلى سبيل.
اعلم إذاً، أيّها العزيز، أنّ أمامك رحلة خطرة لا مناص لك منها، وأن ما يلزمها من عدّة وعدد وزاد وراحلة هو العلم والعمل الصالح. وهي رحلة ليس لها موعد معيّن، فقد يكون الوقت ضيقاً جداً، فتفوتك الفرصة. إنّ الإنسان لا يعلم متّى يقرع ناقوس الرحيل للانطلاق فوراً.
إنّ طول الأمل المعشّش عندي وعندك الناجم من حبّ النفس ومكائد الشيطان الملعون ومغرياته، تمنعنا من الاهتمام بعالم الآخرة ومن القيام بما يجب علينا. وإذا كانت هناك مخاطر وعوائق في الطريق، فلا نسعى لإزالتها بالتوبة والإنابة والرجوع إلى طريق الله، ولا نعمل عل تهيئة زاد وراحلة، حتّى إذا ما أزف الوعد الموعود اضطررنا إلى الرحيل دون زاد ولا راحلة، ومن دون العمل الصالح، والعلم النافع، اللذين تدور عليهما مؤونة ذلك العالم، ولم نهيّئ لأنفسنا شيئاً منهما. حتّى لو كنّا قد عملنا عملاً صالحاً، فإنه لم يكن خالصاً بل مشوب بالغشّ، ومع آلاف من موانع القبول.
وإذا كنّا قد نلنا بعض العلم، فقد كان علماً بلا نتيجة وهذا العلم إمّا أنْ يكون لغواً وباطلاً، وإمّا أنّه من الموانع الكبيرة في طريق الآخرة. ولو كان ذلك العلم والعمل صالحين، لكان لهما تأثير حتميّ وواضح فينا نحن الذين صرفنا عليهما سنوات طوالاً، ولغيّرا من أخلاقنا وحالاتنا. فما الذي حصل حتى كان لعملنا وعلمنا مدة أربعين أو خمسين سنة تأثير معكوس بحيث أصبحت قلوبنا أصلب من الصخر القاسي؟ ما الذي جنيناه من الصلاة التي هي معراج المؤمنين؟ أين ذلك الخوف وتلك الخشية الملازمة للعلم؟ لو أنّنا أجبرنا على الرحيل ونحن على هذه الحال ـ لا سمح الله لكان علينا أن نتحمل الكثير من الحسرات والخسائر العظيمة في الطريق، ممّا لا يمكن إزالته!".
المصدر: من كتاب أخلاقنا الاسلامية